الثورة – فؤاد العجيلي:
في ندوة تكريمية للروائية ابتسام تريسي، أقامها منتدى رياض نداف الثقافي بحلب على مسرح دار الكتب الوطنية، قدمت دكتورة الأدب العربي في جامعة حلب الدكتورة نور شبلي دراسة نقدية عميقة عن جمالية الفظيع في رواية “مدن اليمام”، معتبرة إياها أنموذجاً فريداً لاستخدام الفظائعية كاستراتيجية سردية توثيقية تعكس واقع الحرب والسعي لخلق ذاكرة جماعية بديلة.
مستويات الفظائعية في الرواية
من خلال تحليلها للرواية، حددت الدكتورة شبلي أربعة مستويات رئيسة للفظائعية تجلت في مدن اليمام وهي:
الفظائعية الجسدية
إذ تقدم الروائية أجساداً مشوهة كرمز للانتهاك المنظم، فالجثث تحت الأنقاض تتحول إلى كائنات لا إنسانية، والأجساد ناقصة الأعضاء تشهد على وحشية القمع، وهذه التمثيلات الجسدية تخلق صورة فظائعية تعكس الانزياح عن الطبيعة البشرية.
“فظائعية المكان”
تتحول المدن في الرواية إلى فضاءات مشوهة، بيوت بدون أسقف، شوارع مليئة بالحفر، سجون تحت الأرض تخلط بين الحياة والموت، المكان هنا يصبح كائناً حياً يعكس تشوه الواقع الاجتماعي.
“فظائعية العلاقات الاجتماعية”
إذ تمثل التحولات الاجتماعية في الرواية أشكالاً من الانزياح الأخلاقي، الجيران يصبحون جواسيس، الأصدقاء يتحولون إلى خونة، والعائلة تفقد قدسيتها، وهذه التحولات تخلق نسيجاً اجتماعياً مشوهاً.
“فظائعية اللغة”
فاللغة نفسها تتعرض للتشوه في الرواية، جمل متقطعة كالشظايا، صمت يعبر عما لا يمكن قوله، صرخات بلا معنى، هذه اللغة المكسورة تعكس عجز التعبير عن فظاعة الواقع.
موقف أخلاقي وسياسي
خلصت الدكتورة شبلي في مداخلتها إلى أن الفظائعية في “مدن اليمام” ليست مجرد تقنية سردية، بل هي موقف أخلاقي وسياسي يرفض التطبيع مع العنف، ويقاوم النسيان، ويوثق ما لا يمكن تصوره، فمن خلال هذه الاستراتيجية، تخلق الروائية تريسي لغة جديدة قادرة على التعبير عن اللا معقول الذي عاشه السوريون، وهذه الفظائعية المقصودة تصبح أداةً لإثارة الاشمئزاز والرفض لدى القارئ، ما يدفعه لاتخاذ موقف أخلاقي وسياسي واضح ضد القمع والعنف.
توثيق فظاعة الحرب
تعتبر رواية “مدن اليمام” للروائية ابتسام تريسي واحدة من أهم الأعمال الأدبية التي وثقت فظاعة الحرب في سوريا منذ اندلاع الثورة عام 2011، نشرت الرواية عام 2014، وتُعد جزءاً من ثلاثية روائية تناولت الثورة السورية وتداعياتها، إلى جانب روايتي “لمار” و”لعنة الكادميوم”.
وفي توجه لتكريم المبدعين، قدم مدير الثقافة أحمد وديع العبسي درعاً تكريمياً للأديبة الروائية ابتسام التريسي، والتي جسدت خلال كتاباتها الأحداث التي مرت بها البلاد خلال السنوات الماضية، متوجةً روايتها بانتصار الثورة السورية التي تمثل إرادة الشعب.