تستطيع الولايات المتحدة أن تتذرع بألف سبب لتنفيذ سياساتها عبر العالم ، ويمكن لها أن تسخّر كبريات الإمبراطوريات الإعلامية الغربية لتسويق حروبها تحت عناوين محاربة التطرف والإرهاب ونشر الديمقراطية والدفاع عن حقوق الإنسان وذرائع أخرى، ورغم كل هذه العناوين البراقة لم تستطع واشنطن حتى اليوم أن تقنع أحداً في العالم بصدق ما تدعي.
يتساءل المرء ما الذي يدفع واشنطن للانسحاب من افغانستان في حين تبقى في سورية؟ فبعد عقدين من الاحتلال العسكري الأمريكي لأفغانستان تحت عنوان محاربة القاعدة وحركة طالبان، تقرر فجأة الانسحاب تاركة الحكومة الأفغانية التي صنعتها ودمغتها بختم “صنع في واشنطن” تحت رحمة حركة طالبان التي سيطرت على مساحات واسعة من البلاد وتزيدها كل يوم.
أين ذهب شعار محاربة التطرف الذي شنت واشنطن تحته الحرب على الشعب الأفغاني وقتلت وشردت الملايين منهم؟ أين الديمقراطية التي قالت واشنطن إنها تزدهر في أفغانستان خلال وجودها الاحتلالي في ذلك البلد؟ ليس هذا فحسب.. بل أين الدعم الذي تعهدت بتقديمه لحكومة كابول أمام طالبان؟ لاشك أن كل ذلك تبخّر أمام مصلحة مستجدة للولايات المتحدة في ساحة أخرى من ساحات الصراع على النفوذ الدولي.
القنبلة الأفغانية الموقوتة لاشك أنها مربوطة على توقيت البيت الأبيض، يشعل فتيلها في اللحظة التي يريد وفي وجه القوة التي يرغب، فاستحواذ واشنطن على أفغانستان لعقدين من الزمن أبعدَ كل الأطراف الدولية عن مساحة التأثير فيها، وتركها اليوم بهذا الشكل يوحي ببؤرة “للفوضى الخلاقة” التي تتبناها الإدارات الأمريكية المتعاقبة لتوتير الأوضاع في شرق آسيا واستهداف الصين وروسيا وإيران وباكستان.
بالعودة إلى سورية، يكرر مسؤولو الإدارة الأمريكية، السياسيون منهم والعسكريون، بأن وجودهم الاحتلالي في شرق وشمال شرق سورية مرتبط بالقضاء على تنظيم داعش الإرهابي الذي نعلم علم اليقين أنه منتجٌ أمريكي وأداة في حرب واشنطن ضد سورية، بكلام يذكرنا بما أطلقه المسؤولون الأمريكيون عند بدء حملتهم على أفغانستان.
نعلم جيداً أن الوجود الاحتلالي الأمريكي في سورية لم يكن يوماً مرتبطاً بغير دعم داعش والإرهاب، ومحاولة تقوية الميليشيات الانفصالية ضد الدولة السورية لنهب موارد البلاد وحرمان الشعب منها، ونعتقد جازمين أيضاً أنه لو كانت الولايات المتحدة متيقنة من قدرة أدواتها على تنفيذ السياسة الأمريكية في مواجهة الجيش العربي السوري لما وضعت قدم جندي أمريكي على الأرض السورية.
لكن فشل أدواتها واندحارهم أمام الجيش العربي السوري تطلّب منها الحضور المباشر عبر قوات على الأرض وعبر الجو لمنع الدولة السورية من دحر داعش بشكل كامل واستعادة سيطرتها على كامل أراضيها الأمر الذي يفقد واشنطن القدرة على التأثير في المشهد السوري والمنطقة مع فارق كبير في المشهد بين سورية وأفغانستان، لجهة أن الدولة السورية وحكومتها ليست صنيعة واشنطن في حين الإرهابيون والميليشيات الانفصالية هم أدواتها الضعيفة، سيأتي يوم تنسحب واشنطن إذا ما رأت أن من مصلحتها الانخراط في ساحة أخرى تاركة أدواتها يلقون مصيرهم المحتوم أمام الجيش العربي السوري.
ولاشك أن هذا الانسحاب لن يكون بعيداً في ظل تنامي المقاومة الشعبية في منطقة الجزيرة ضد الاحتلال الأمريكي وأدواته، وفي ظل تصميم الدولة السورية بجيشها وشعبها على دحر الإرهاب وداعميه واستعادة كامل الجغرافيا السورية تحت راية العلم الوطني.
إضاءات – عبد الرحيم أحمد