لا يمكن تفسير الهياج الأميركي ضد العملية الروسية في أوكرانيا سوى بخشية واشنطن من انكسار مخططها وافتضاح حربها البيولوجية السرية التي تقودها من مختبراتها هناك والتي تشكل إلى جانب الحرب الكيميائية إحدى أخطر وسائل الحرب التي تعمل الولايات المتحدة عبرها إلى تدمير خصومها كروسيا والصين.
لقد صدعت الولايات المتحدة رؤوس العالم باتهامها الصين بأنها وراء انتشار فيروس كورونا بداية عام 2020 وحاولت استخدام منظمة الصحة العالمية لإثبات التهمة بأن الصين هي مصدر الفيروس وهي التي نشرته في العالم. هل تذكرون تصريحات مايك بومبيو وزير الخارجيّة الأميركي بأنه يملك “أدلة”، تؤكد أن فيروس كوفيد 19 جاء من مختبرات مدينة ووهان الصينيّة التي انتشر منها المرض؟
لاشك في أن أي اتهامات أميركية لأي دولة في العالم اليوم تعيدنا بالذاكرة إلى أكبر كذبة أميركية عرفها التاريخ الحديث والتي تمثلت بأنبوبة وزير الخارجية الأميركي كولن باول أمام مجلس الأمن قبيل العدوان الأميركي على العراق عام 2003 والتي أكد أنها الدليل على امتلاك العراق أسلحة دمار شامل قادرة على ضرب أوروبا، كذبة كررها الوزير الأميركي مايك بومبيو بشأن منشأ فيروس كورونا، لكن ماذا يمكن أن تقول واشنطن اليوم بعد افتضاح برامجها البيولوجية السرية في أوكرانيا؟
بداية نفت المندوبة الأميركية في مجلس الأمن وجود مثل هذه المختبرات ودعمتها نظيرتها البريطانية التي أكدت أن الحديث الروسي عن مختبرات بيولوجية أميركية في أوكرانيا محض افتراء!! لكن واشنطن عادت واعترفت بوجود تلك المختبرات على لسان مديرة الاستِخبارات الوطنيّة الأميركيّة التي أقرت أمام اجتماع لمجلس الشيوخ الأميركي بأن بلادها تُشرف على برامج إنتاج أسلحة بيولوجيّة في أوكرانيا.
لم تستطع واشنطن نفي وجود المختبرات البيولوجية السرية التي تديرها في أوكرانيا طويلاً، بسبب أولاً وقوع أدلة بيد القوات الروسية تثبت وجودها، وثانياً القلق الأميركي الكبير من وقوع تلك المختبرات ونتائجها تحت سيطرة موسكو، هاجس عبرت عنه فيكتوريا نولاند، نائبة وزير الخارجية الأميركي للشؤون السياسية أمام الكونغرس وأكدت أن بلادها تعمل مع الأوكرانيين لمنع وقوع المواد البحثية في هذه المواقع في أيدي الروس.
الاعترافات الأميركية، وإن حاولت التأكيد على أن المختبرات صحية ودفاعية، لكنها تعيد طرح الأسئلة عن دور واشنطن في إنتاج فيروس كورونا في أحد مختبراتها ونشره في الصين بهدف تدميرها وخصوصاً أن الكشف الروسي للمختبرات البيولوجية الأميركية في أوكرانيا يتحدث عن استخدام الطّيور والزّواحف لنشر الأمراض الفتّاكة ومنها الخفافيش التي يكثر استهلاكها في الصين والتي قيل إنها منشأ الفيروس.
الحديث عن الحرب البيولوجية الأميركية يقودنا إلى حرب الفبركات التي قادتها واشنطن ومعها عدد من الدول الغربية ضد سورية تحت عنوان استخدام الأسلحة الكيميائية على مدار سنوات الحرب الإرهابية التي تتعرض لها البلاد، الأمر الذي يستدعي من العالم إعادة النظر بسلوك واشنطن وسياساتها الإجرامية حول العالم.
فهل تتحرك اليوم مشاعر الدول الغربية وأخلاقيات حاملو القلم الإنساني لعقد اجتماعات طارئة لمجلس الأمن وللمنظمات الدولية المعنية؟ باعتقادنا إنها لن تفعل، فالأمر لا يستهدف سورية والصين ولا إيران وروسيا، لذلك سنجد الدول الغربية تتحلق خلف واشنطن مرددة الأضاليل نفسها على حساب مصير شعوب العالم.
فمنظمة الصحة العالمية تحركت بشكل مبهم وغير مفهوم، إذ طلبت من السلطات الأوكرانية تدمير “الجراثيم الخطيرة جداً المسببة للمرض” في مختبراتها لتجنب تعريض السكان لأي خطر تلوث بسبب الحرب الدائرة في البلاد، لكنها لم تقدم أي معلومات عن تلك المختبرات أو العناصر المسببة للأمراض التي تحدثت عن ضرورة تدميرها.
لقد استطاعت سورية على مدى سنوات الحرب الإرهابية ضدها أن تفضح أساليب واشنطن في تركيب مسرحيات استخدام الأسلحة الكيميائية عبر أدواتها الإرهابية، واليوم سوف يتأكد بشكل أكبر دور واشنطن الخبيث في استخدام أبشع أساليب الحرب البيولوجية لنشر الأمراض والأوبئة عبر الطيور والحشرات في الدول والبلدان الأخرى.
وعلى العالم ألا يصدّق واشنطن بعد اليوم، وأن يفكر ألف مرة قبل أن يقبل أي رواية أمريكية، فالعراق لم يتعافَ بعد من نتائج كذبة باول الشهيرة، والعالم لا يزال تحت وطأة وباء كورونا التي تزداد الشكوك بدور واشنطن في صناعته ونشره، فهل تكون العملية الروسية في أوكرانيا نهاية الحرب البيولوجية الأمريكية على العالم، أم هي مجرد بداية لها؟
إضاءات – عبد الرحيم أحمد