الثورة أون لاين – لميس عودة:
في معركة الوعي وتحصين الوطن من سهام الاستهداف العدواني، يحضر بقوة مفهوم الانتماء بأهميته و بشموليته وتفرعاته الكثيرة، والتي تلقي بظلالها وانعكاساتها على كل تفاصيل تعاطي أي إنسان في أي مكان، أو في أي رقعة في العالم مع الثوابت السيادية الوطنية، ففكرة الانتماء للأرض والدفاع عنها ليست مجرد شعار رنان يتغنى به، بل هو ممارسة وتطبيق ومنصة انطلاق لتسييج الوطن بسياج المنعة من الاختراقات، وصون استقلالية القرارات السيادية ورفض الإملاءات والتبعية.
فالانتماء والتمسك بالهوية الوطنية هو الرافعة الأساس والقيمة العظمى والمثلى التي تلتقي في بوتقتها كل القيم الإيجابية والبناءة الأخرى، فمن لا حس وطنياً له، ولا انتماء لديه للوطن، لن تجد لديه دوافع استبسال كبيرة أو جهوزية عالية للذود عن حياضه، ولا حتى تفانياً للحفاظ على وحدته وترابط جغرافيته، بل على العكس يسهل انجراره واقتياده لتنفيذ أجندات الأعداء، و يصبح أداة طيعة رخيصة في خدمة مخططات عدائية مشبوهة تستهدف الوطن في وحدته الجامعة لجميع أبنائه، وترمي لتفتيته وفصل عرى ترابطه الوثقى.
من هنا ركَّز السيد الرئيس بشار الأسد على أهمية مفهوم الانتماء، وشرح معانيه ودلالاته العميقة في خطاب القسم في السابع عشر من تموز الماضي، فانتماء الإنسان لوطنه بحسب سيادته “ليس خياراً يحدده بإرادته ولا نظريات يتبناها، وإنما هو حقيقة مكتسبة بالولادة بداية، وبالتفاعل مع المجتمع الذي يعيش فيه لاحقاً”.
انطلاقاً من هذه القاعدة الصلبة والمتينة قادت الدولة السورية باقتدار ومسؤولية وطنية دفتها في الميدان والسياسة وفق بوصلة ثوابتها المتمثلة بصون وحدة وترابط جغرافيتها وحفظ أمن وسلامة جميع السوريين، وحقها المشروع في دحر الإرهاب ومشغليه عن ترابها الوطني ،إضافة إلى استقلالية قراراتها غير القابلة للمساومات تعزيزاً للدفاع عن مفهوم الانتماء السوري الجامع على ضفاف الوطنية، وكرستها خطوطاً حمراء غير قابلة للتجاوز في أي ملتقى أو مؤتمر أو لقاء إقليمي يعنى بالشأن السوري أو يدعي محاولة إيجاد حلول تنهي الحرب الإرهابية على الشعب السوري.
من هنا لم تقاطع الدولة السورية يوماً أي مؤتمرات أو اجتماعات أو لقاءات تناقش سبل إنهاء الحرب الإرهابية المعلنة على الشعب السوري، ومن باب حرصها الكبير والمصلحة الوطنية العليا طرقت دمشق أبواب التسوية السياسية مرات عديدة، وانطلاقاً من مسؤوليتها الوطنية بجمع كل السوريين على ضفاف الحوار البناء المثمر الذي أساسه ومنطلقه الانتماء لسورية أولاً وأخيراً، بعيداً عن الارتهان والتبعية والإذعان لمشيئة أعداء الشعب السوري ومخططاتهم التخريبية، فلم تأل الدولة السورية جهداً في التقاط أي إشارات ترى فيها أملاً لحلول منشودة توقف الحرب الإرهابية على الشعب السوري، رغم إدراكها المسبق أن ما تسمى “معارضات” عميلة لا انتماء وطنياً لها، وتدار بأزرار مشغليها ومموليها الذين لا نية لديهم لتطويق دائرة الحرب الإرهابية التي يستثمرون فيها.
ولا ينفصل الانتماء للوطن بالمطلق كقيمة وجودية ومعنوية عن فكرة الانتماء الأوسع للأمة العربية بامتداده وعمقه ودلالاته، فالوطن جزء من الأمة، والأمة بمفهومها القومي الشامل هي الحاضنة للوطن، إذ لا يمكن سلخ أحدهما عن الآخر، وإن ازدادت المخططات الاستعمارية الرامية للتفتيت والتجزئة، وهو الأمر الذي أكده و نوَّه إليه الرئيس الأسد بقوله في الخطاب: “الانتماء أوسع من أن يُحصر بعرق أو دين أو مذهب أو لغة أو مصلحة مشتركة أو إرادة مشتركة أو تاريخ أو جغرافية، لأن الانتماء هو حالة حضارية إنسانية يجتمع فيها كل ما سبق، وهذا هو حال عروبتنا بمعناها ومضمونها الحضاري الجامع الذي يزداد غنى بازدياد أطياف المجتمع”.
إن انعدام الحس الوطني والانجرار وراء مصالح ذاتية ومنافع شخصية ضيقة على حساب المصلحة الوطنية العليا تضر بالوطن، وتفقد الإنسان انتماءه، وتجعل منه خنجراً مسموماً في جسد الوطن، و مطية سهلة للأعداء لتحقيق مآربهم، إضافة لمحاولتهم تمزيق خريطة المنطقة والاستفراد بكل دولة من دوله عبر دس سموم التفرقة، وتغييب فكرة القومية العربية الحاضنة لكل دول الأمة العربية، الأمر الذي ركز عليه الرئيس الأسد بقوله : “وأما نحن في سورية فسوف نهزم نفسياً وفكرياً عندما نعتقد أن انتماءنا القومي هو لحدود سياسية رسمها المحتل”.
لكل ما سبق يبقى الانتماء والوعي الكبير بأهميته وضمانته الدرع الوطني والقومي الذي تتكسر عليه كل سهام الاستهداف والسلخ والتجزئة والتمزيق المرادة للمنطقة ولشعوبها.
