الثورة اون لاين – مها الداهوك:
لم تكن الهوية يوماً مجرد وثيقة رسمية تثبت أصول الفرد ومعلوماته الشخصية، ولم يكن الانتماء مجرد تواجد فرد ضمن جماعة في بقعة جغرافية معينة من هذا العالم وحسب، فقد كونت هوية الإنسان عبر التاريخ الإنساني مفهوماً فكرياً وحالة شعورية وجدانية يسعى الفرد منذ بدء وعيه إلى تكوينها، ومحاولة بنائها بشكل يحقق له قيمة وجوده الإنساني.
ومن يقرأ التاريخ جيداً يلاحظ أن حروب الحضارات وحملاتها الاستعمارية التي تعاقبت على هذه الأرض منذ مئات السنين كانت تستهدف هوية الأفراد وانتماءهم لأوطانهم قبل استهدافها للأرض والجغرافيا، وكان ذلك انطلاقاً من مبدأ أن الهوية والانتماء يمثلان مركز قوة أي مجتمع، كما أنهما قد يشكلان نقطة ضعف يتسلل منها المتربصون بتلك الأوطان.
فالانتماء للوطن هو حالة من الإيمان المطلق الذي يجعل الفرد يتمسك بأرضه ويدافع عن كيانها أمام كل من يحاول المساس بأمنها ووجودها، أما الهوية فهي سر الارتباط بهذا الوطن ولو كان الفرد بعيداً عن أرضه و بلاده.
والمتابع لمجريات الحرب العدوانية التي تستهدف سورية منذ أكثر من عشر سنوات يعلم علم اليقين ومن اليوم الأول للأحداث بأن الهوية السورية والانتماء للوطن كانا في مقدمة بنك الأهداف الذي وضعته قوى الشر في حربها الإرهابية على البلاد.
حيث عملت الماكينات الإعلامية المعادية على بث الأخبار المضللة ومحاولة زرع المفاهيم والأفكار التي تزعزع فكرة المواطنة لدى أبناء الشعب السوري، وقد كان الاستهداف هنا للعقول الهشة التي يسهل اختراقها وذلك عبر تهميش القضايا الوطنية العامة ومحاولة إشغال أبناء الوطن بقضايا فردية ومنازعات طائفية ومناطقية تنمي مشاعر “الأنا” لديهم في سبيل إضعاف شعور الانتماء العام للوطن الجامع لهم.
إضافة للحرب الاقتصادية التي استهدفت الليرة السورية والتي تمثل وجهاً من وجوه الهوية الوطنية والتي سعى الأعداء لإضعاف وجودها والتقليل من أهميتها ومحاولة فرض عملات أجنبية بديلة عنها للتداول بين الناس، وهنا نستحضر ممارسات المحتل التركي في الشمال السوري لتحييد الهوية السورية عبر فرضه على سكان تلك المناطق التعامل بالعملة التركية إضافة لتوزيع بطاقات تموينية تركية تحت غطاء ما يسمى “بالمساعدات الإنسانية” بهدف فرض الوجود الاحتلالي التركي في المنطقة و شرعنته عبر تلك الممارسات، وهو ليس بالأمر الجديد على أحفاد العثمانيين الذين سعوا على مدى ٤٠٠ سنة من أجل السيطرة على المنطقة وتتريك كل ما فيها في سبيل تحقيق أحلام سلطنتهم التوسعية، الأمر الذي قوبل بالرفض المطلق من قبل أجدادنا و مقاومتهم لكل تلك المحاولات والاستبسال في الدفاع عن هويتهم و انتمائهم للأرض السورية.
واليوم يكمل الأحفاد طريق الأجداد، فجبهة المواجهة الأساسية في سنوات الحرب الإرهابية كانت في تعزيز الانتماء السوري المطلق، حيث وقف أبناء وطننا بكافة أطيافهم صفاً واحداً في وجه محاولات تفتيت كيان المجتمع السوري الداخلي، فقد أكد السوريون على أن الهوية السورية والانتماء للوطن من المسلمات المجتمعية في سورية، وأن محاولات المساس بها مصيرها الفشل ولو بعد حين، وهو ما جسدته قوافل الشهداء التي ارتقت في سبيل الدفاع عن الوجود السوري على امتداد جغرافيا البلاد.
فمشاعر الانتماء للأرض السورية كانت الدافع الأول لآلاف العوائل السورية لإرسال أبنائها إلى ساحات القتال في كل المناطق والمحافظات للدفاع عن وحدة الأرض التي تربى عليها أبناء الوطن عبر الأجيال.
كما أن صدق الانتماء والاعتزاز بالهوية السورية هو الذي أبقى الآلاف من أبناء الوطن الشرفاء في بلاد الاغتراب متمسكين بهويتهم السورية، مدافعين عن انتمائهم لهذا الوطن وداعمين لدولتهم وقيادتها في مواجهة هذه الحرب الوجودية، وهذا ما أكده خطاب القسم للسيد الرئيس بشار الأسد، والذي شدد فيه على أهمية الهوية والانتماء والمواطنة، وأن تنمية هذه المفاهيم في عقول الأجيال الجديدة هو الضامن الوحيد لصمود هذه البلاد في وجه محاولات الغرب المستمرة لاستهداف هويتنا العروبية.
كما أكد سيادته على أن إيماننا بهويتنا السورية هو سر بقائنا و مصدر قوتنا في مواجهة محاولات الغرب لشرذمة قوانا وإنهاك كياننا الداخلي.
الانتماء للوطن وحمل هويته والدفاع عنهما هو ما يجعل للوجود الإنساني قيمة لا يشعر بوجودها إلا من يفقدها ، فالذين يكفرون بانتمائهم لأوطانهم أو يفرطون بهوياتهم سيبقون جوعى مهما أكلوا من خبز المنافي.
