الثورة – أسماء الفريح:
رحب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش بالرأي الاستشاري “التاريخي” لمحكمة العدل الدولية حول التزامات الدول بشأن تغير المناخ، والذي قضت فيه بأن الدول ملزمة بحماية البيئة من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، وبالعمل بالعناية الواجبة والتعاون للوفاء بهذا الالتزام. ويشمل الالتزام بموجب اتفاق باريس حصر ارتفاع درجة الحرارة في حدود 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية، حيث قضت المحكمة أيضاً بأنه في حال انتهاك الدول لهذه الالتزامات، فإنها تتحمل مسؤولية قانونية، وقد يُطلَب منها التوقف عن السلوك غير المشروع، وتقديم ضمانات بعدم التكرار، ودفع تعويضات كاملة، حسب الظروف.
ونقل مركز أنباء الأمم المتحدة عن غوتيريش قوله في بيان منسوب لمكتب المتحدث باسمه بأن هذه الخطوة تمثل “انتصاراً لكوكبنا، وللعدالة المناخية، ولقوة الشباب في إحداث التغيير”.
وأكد غوتيريش ضرورة أن يكون هدف 1.5 درجة مئوية المنصوص عليه في اتفاق باريس أساساً لجميع سياسات المناخ، في ظل النظام الحالي لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ.
وأشار إلى أن شباب جزر المحيط الهادئ بادروا بهذه الدعوة الإنسانية للعالم، مشدداً على أنه يجب على العالم أن يستجيب. واستندت المحكمة إلى التزامات الدول الأعضاء بكل من معاهدات البيئة وحقوق الإنسان لتبرير هذا القرار، موضحة أن الدول الأعضاء أطراف في مجموعة متنوعة من المعاهدات البيئية – بما فيها معاهدات طبقة الأوزون، واتفاقية التنوع البيولوجي، وبروتوكول كيوتو، واتفاق باريس، وغيرها الكثير – والتي تُلزم الدول بحماية البيئة من أجل الناس في جميع أنحاء العالم والأجيال القادمة.
كما استندت المحكمة إلى أنه نظراً لأن “البيئة النظيفة والصحية والمستدامة شرط أساسي للتمتع بالعديد من حقوق الإنسان”، وبما أن الدول الأعضاء أطراف في العديد من معاهدات حقوق الإنسان – بما فيها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان للأمم المتحدة – فإنها مُلزمة بضمان التمتع بهذه الحقوق من خلال معالجة تغير المناخ.
وقال القاضي الياباني يوجي إيواساوا رئيس المحكمة، التي تعتبر أعلى هيئة قضائية في الأمم المتحدة، خلال تلاوته مقتطفات لتقرير خبراء عن التغير المناخي، إن “المحكمة خلصت إلى أن تداعيات عواقب تغير المناخ وخيمة وعميقة، فهي تلحق ضرراً بالنظم البيئية الطبيعية والسكان على السواء”، مبيناً أن هذه العواقب تبرز التهديد الداهم والوجودي الذي يُمثله التغير المناخي.
وأكد أن للدول “واجبات صارمة لحماية النظم المناخية”، موضحاً أنه “في ما يتعلق بواجب تجنب إلحاق أضرار جسيمة بالبيئة، تعتبر المحكمة أنه ينطبق أيضاً على النظام المناخي الذي هو جزء لا يتجزأ وعنصر أساسي في البيئة ويجب حمايته للأجيال الراهنة والمقبلة”.وبين أيضاً أنه سيكون لتداعيات الاحترار المناخي عواقب على حقوق الإنسان كذلك، مشدداً على أنها قد تضعف كثيراً التمتع ببعض حقوق الإنسان بما يشمل الحق في الحياة.
وتعود حيثيات القضية إلى أيلول 2021، عندما أعلنت دولة فانواتو الواقعة في المحيط الهادئ أنها ستطلب رأياً استشارياً من المحكمة بشأن تغير المناخ، حيث استُلهِمت هذه المبادرة من مجموعة شبابية باسم: “طلاب جزر المحيط الهادئ يكافحون تغير المناخ”، والتي أكدت ضرورة العمل على معالجة تغير المناخ، ولا سيما في الدول الجزرية الصغيرة. وبعد أن ضغطت فانواتو على الدول الأعضاء الأخرى في الأمم المتحدة لدعم هذه المبادرة في الجمعية العامة، اعتمدت الأخيرة في آذار 2023 قراراً يطلب رأياً استشارياً من العدل الدولية بشأن مسألتين: الأولى تتعلق بتحديد التزامات الدول بموجب القانون الدولي بضمان حماية البيئة، والثانية بمعرفة العواقب القانونية المترتبة على الدول بموجب هذه الالتزامات عندما تُلحق ضرراً بالبيئة.
ورغم أن الآراء الاستشارية للمحكمة غير مُلزمة، إلا أنها تحمل سلطة قانونية وأخلاقية كبيرة، وتساعد في توضيح وتطوير القانون الدولي من خلال تحديد الالتزامات القانونية للدول. وتعد هذه أكبر قضية تنظر فيها العدل الدولية على الإطلاق، كما يتضح من عدد البيانات المكتوبة والتي بلغت 91، والدول التي شاركت في المداولات الشفوية، ووصل عددها إلى 97 دولة.