الثورة – إيمان زرزور:
تُعد أزمة اللجوء السوري من أضخم الكوارث الإنسانية التي شهدها العالم في العقد الأخير، حيث تسببت الحرب في تهجير ملايين السوريين قسراً داخل البلاد وخارجها، في موجة نزوح لم تهدأ آثارها حتى اليوم.
ومع تغيّر المشهد السياسي والأمني بعد سقوط نظام الأسد، برزت العودة الطوعية للاجئين كمسار ضروري لإعادة بناء الدولة، لكنها اصطدمت بجملة من العقبات التي تهدد استدامتها وتحول دون تحققها الشامل.
تفاوت في وتيرة العودة
تشير المعطيات إلى أن معدلات العودة الطوعية تتباين بشكل ملحوظ من بلد إلى آخر، تبعاً للظروف الأمنية والاقتصادية والاجتماعية في مناطق العودة داخل سوريا، ففي حين شهدت بعض المناطق نسباً مشجعة من العائدين، لا تزال مناطق أخرى تفتقر إلى الحد الأدنى من مقومات الاستقرار، ما يجعل العودة إليها محفوفة بالمخاطر.
تحديات العودة: الواقع الميداني
ليست العودة مجرد عبور جغرافي إلى الوطن، بل هي مواجهة شاملة لواقع معقد يفرض على العائدين تحديات متراكمة أبرزها: انعدام الخدمات الأساسية، مثل المياه والكهرباء، والرعاية الصحية والتعليم -وهي شروط لا غنى عنها لاستعادة الحياة اليومية- ودمار المنازل والبنية التحتية، فكثير من اللاجئين يعودون ليجدوا بيوتهم مهدّمة كلياً أو جزئياً، ما يضطرهم للعيش في ظروف غير إنسانية أو البحث عن مساكن بديلة.
استحقاقات العودة: ما المطلوب؟
تفرض هذه التحديات استجابة شاملة من مختلف الجهات المعنية لضمان عودة كريمة وآمنة للاجئين، بما يشمل تعزيز الأمن المحلي عبر تعاون دولي ومحلي لضمان حماية المدنيين وإعادة فرض سيادة القانون، وتوفير خدمات إنسانية متكاملة تشمل الرعاية الصحية، التعليم، المياه، والكهرباء كحد أدنى من شروط الحياة المستقرة.
كما يتطلب تسهيل الإجراءات القانونية من خلال برامج لإصدار الوثائق الرسمية وتسجيل الملكيات، وإطلاق مشاريع تنموية تركز على دعم الاقتصاد المحلي وخلق فرص عمل مستدامة لتشجيع الاستقرار، وتمكين الحوار المجتمعي لبناء جسور الثقة بين السكان والعائدين، وتجاوز التوترات الاجتماعية التي خلّفتها الحرب، والدعم النفسي من خلال برامج إعادة تأهيل خاصة للمتضررين من الصراع والعنف.
عودة السوريين إلى وطنهم تمثل بداية جديدة لا تقل تعقيداً عن رحلة اللجوء، فهي تتطلب أكثر من قرار سياسي أو مبادرة إنسانية، إنها عملية مجتمعية شاملة، لا تكتمل دون تعاون وثيق بين الحكومة السورية، المجتمع الدولي، المنظمات الإنسانية، والمجتمعات المحلية، لضمان أن تكون العودة ليست فقط ممكنة، بل كريمة وآمنة ومستدامة.