الثورة – نورما الشيباني:
الوطن ليس مجرد قطعة من الأرض تجمعنا، بل هو أرض وروح وحياة، يعيش بالمحبة ونقتله حين انبعاث سموم التفرق، هذه السموم التي يتلقفها الأعداء المتربّصون بهذا الوطن، والذين يغذون انبعاث المزيد من السموم لتقتلنا عن طريق تأجيج الفتن والصراعات الدّينية والطائفية والعشائرية والمناطقية، وهذا يستدعي تكاتفنا جميعاً، وتغليب روح العقل والتسامح والانتماء الوطني الخالص لنحافظ على الوطن الذي، إن فقدناه فقدنا أنفسنا وهويتنا وكرامتنا.
التزام بالتعايش
دكتورة الإرشاد النفسي في جامعة طرطوس لينا غانم، أكدت في لقاء مع “الثورة”، أن السلم الأهلي هو الالتزام بتعايش جميع المواطنين مع بعضهم بعضاً، واحترام كل منهم للآخر، والتوجيه باتجاه التعايش السّلمي بناءً على قاعدة الأصل الإنساني الواحد، وذلك من خلال رفض كُل أشكال الاقتتال أو الدعوة إليه أو التحريض عليه أو تبريره بمنطق الدعاية أو العقيدة الدينية أو القومية وغيرها، التي تؤدي إلى إنتاج حرب أهلية في المجتمع، تنتهي إلى تفسُّخ بنيته الأساسيّة.. بمعنى آخر منع النزاعات، وحلّها بطريقة سلمية، ومعالجة جذورها البنيويّة، وضمان التماسك المجتمعي.
وبينت د. غانم أن للسلم الأهلي مقومات، أهمها نشر ثقافة التسامح والمحبة بين الأفراد، والتركيز على فكرة العمل المشترك لتحقيق أهداف مجتمعية أفضل، وعلى القيم الاجتماعية النبيلة التي تخدم مصلحة المجتمع، بالاعتماد على موروثنا الثقافي الذي كبرنا عليه، إضافة إلى تعزيز التعاون بين مؤسسات الدولة وأفراد المجتمع بشكل عام، ورفض كل مظاهر الفوضى بين أبناء المجتمع بكل أطيافه، ونبذ المظاهر التي تؤدي لهذه الفوضى، ومحاربة التحريض على الغير، ومحاسبة المحرّض مهما كانت صفته الاجتماعية أو الثقافية أو السياسية أو الدينية، ورفض ومحاربة التمييز بين أبناء المجتمع على أساس العرق أو اللون أو الجنس أو الدين.
د. غانم تشير إلى أن محاربة الجريمة بكل أشكالها والحد من أدواتها ومحاسبة مرتكبيها، تصب في مصلحة السلم الأهلي، وكذلك محاربة انتشار الظواهر السلبية كتجارة المخدرات أو السلاح أو الابتزاز، والاعتماد على التوجيه والإرشاد من قبل الأسرة أولاً، ثم المرشدين النفسيين ثانياً، وتشجيع العمل التطوعي، والنشاطات التربوية والرياضية التي تدعو للعيش المشترك.
هوية جامعة
ولفتت غانم إلى أن السّلم الأهلي يعزز الوحدة الوطنية، و يساعد في بناء هوية وطنية جامعة تتجاوز الانتماءات الفرعية، وينمي الشعور بالمواطنة والمساواة، ويمنع الانقسامات والصراعات، ويتطلب وصولنا للسلم الأهلي نبذ لغة التحريض والانتقام، لتحل مكانها لغة الحوار الوطني الجامع لكل أطياف المجتمع ضمن إطار يضمن حقوق الجميع، على أساس المواطنة، ما يرسخ أسس العدالة الاجتماعية، وازدهار الحياة الثقافية بكل تفرعاتها الفكرية والفنية والأدبية.
السلم الأهلي- حسب غانم- لا يقف هنا فقط، بل كذلك يدعم إعادة الإعمار، فالاستقرار الداخلي شرط أساسي لجذب الاستثمارات والمساعدات الدولية لإعادة إعمار البنية التحتية وتحقيق التنمية، وضرورة احترام حقوق جميع المكونات من خلال نظام سياسي وقانوني يكرس المساواة والعدالة.
حوار وطني شامل
لتحقيق السلم الأهلي، تؤكد غانم أنه لابد من امتلاك آليات محددة، ومنها الحوار الوطني الشامل الذي يضم جميع مكونات وأطياف المجتمع من دون استثناء لبحث القضايا العالقة ووضع أسس التعايش، إضافة إلى التثقيف المجتمعي، ونشر قيم التسامح والتعاون والمحبة، سواء عن طريق وسائل الإعلام أم “السوشيال ميديا” أم حتى من خلال ندوات ومؤتمرات ومحاضرات، ولابد من محاسبة المسؤولين عن الانتهاكات من كافة الأطياف، مع العمل على المصالحة الوطنية، وتمكين المجتمع المدني.
مهددات
عن المخاطر التي تهدد السلم الأهلي، تبين غانم أن أهمها الفقر والبطالة، وانتشار الأسلحة خارج نطاق الدولة، الذي يؤدي إلى زيادة خطر العنف والعصابات المسلحة، والعامل الأكثر خطورة برأيها هو التطرف والعنف، إذ يشكل أكبر تهديد للسلم الأهلي.
أيضاً الأزمات الاقتصادية كلما ازدادت، تزيد من حدة التوترات الاجتماعية، ما يدفع البعض إلى التصرف بطرق غير قانونية.
ولمواجهة هذه المخاطر، علينا التمسك باحترام حقوق الآخرين والتعايش معهم بسلام، و المشاركة في الأنشطة المجتمعية التي تعزز التماسك الاجتماعي وتأمين فرص عمل للجميع.
إضافة إلى نشر قيم التسامح والتعاون في المحيط الأسري والاجتماعي وتعزيز الحوار بين الجماعات المختلفة لبناء الثقة وتنظيم مبادرات محلية لتعزيز التعايش السلمي ودعم الضحايا والناجين من النزاعات.
كما يجب تشجيع الشباب على المشاركة في بناء السلام، والعمل على مقاومة ومنع الخطاب الطائفي والعنصري، ومراقبة انتهاكات حقوق الإنسان وإعداد تقارير عنها، ولابد من دعم ضحايا العنف والناجين من النزاعات من خلال نشر رسائل تعزز السلام والتسامح، وتجنّب الخطاب التحريضي أو الطائفي، من خلال توفير منصّة للحوار بين مختلف مكونات المجتمع.
وختمت د. غانم: لابد من دعم المبادرات الشبابية، وتشجيع الحوار بين الأديان عن طريق عقد لقاءات وندوات بين ممثلي الديانات المختلفة، لتعزيز التفاهم والاحترام المتبادل.