الثورة – أحمد صلال – باريس:
فيلم وثائقي صادم، لا يتناول القضية الفنية في مصر بقدر ما يتناول رغبة مجموعة من الشابات في التحرر من خلال عروض الشوارع.
فيلم وثائقي مفرح ومقلق في آن واحد بشأن وضع المرأة الحالي في هذا البلد، هذا الفيلم الوثائقي استحوذ مؤخراً على الأضواء في مهرجان كان السينمائي، إذ حصل على جائزة أفضل فيلم وثائقي لعام 2024 ونال إعجاب النقاد والجماهير على حد سواء.
في قرية بجنوب مصر، تتمرد مجموعة من الفتيات الصغيرات بتكوين فرقة مسرحية في الشارع، يحلمن بأن يصبحن ممثلات وراقصات ومغنيات، ويتحدين عائلاتهن القبطية وسكان المنطقة بأدائهن الجريء.
خمس فتيات، مصطفّات كأصابع اليد، إحداهن تُوجّه زميلاتها في الفصل إلى عروض الشوارع التي تُدين بشدة عنف المجتمع المصري الأبوي الذكوري، إلا أنهن، شيئاً فشيئاً، ينهرن، عالقات في تطبيع الرجال، والزواج القسري، وفقدان الاستقلال.
نال فيلم “بنات النيل” إشادة نقاد مهرجان كان، وكانت مستحقة، لجودة الفيلم الوثائقي، بالطبع، ولدقة رسالته، التي حملتها حتى النهاية شابات يحاولن مقاومة سيطرة الرجال.
يخرج المشاهد من هذا الفيلم مطمئناً إلى أن الفتيات المراهقات يُناضلن من خلال فنهن للحفاظ على كرامتهن كنساء، ولكنه في الوقت نفسه يشعر باليأس من قدرة الذكورة على توسيع سيطرتها وترسيخها في عقول الناس.
فحتى المتفرجات اللواتي يأتين لمشاهدة عروضهن في الشوارع يرفضن مشاهدتها حتى النهاية، كما لو أن صرخاتهن تُهين ما استوعبنه من سيطرة، أما الرجال الذين يزينون القصة فهم مجرد صور كاريكاتورية لأنفسهم، باستثناء أبٍ صافٍ نوعاً ما يحاول إعادة ابنته إلى شغفها بمسرح الشارع، الذي تخلت عنه من أجل عاشقٍ ذكوريٍّ لا يُطاق.
بنات النيل فيلم وثائقي نادر يُظهر إخلاص الشابات المصريات في خدمة استقلالهن الأخلاقي والفكري، يُكرّس الثنائي السينمائي، ندى رياض، وأيمن الأمير، نفسيهما وجسدهما لهذه الشهادة من أجل مصر حرة ومتحررة، لقد عانا في مسيرتهما الفنية من التحفظ الذي خنق أحلامهما الإبداعية إلى حد كبير، هؤلاء الفتيات الصغيرات اللواتي يحلمن أن يصبحن مخرجات أو ممثلات أو مغنيات هنّ في المقام الأول بطلات سياسيات لا يكلّلن حتى يفرض الواقع نضالهن ويعيدهن، لاثنتين منهن على الأقل، إلى الحرمان والخضوع لعلاقات زوجية قسرية أو الأمومة والنظام الأبوي المتسلط، لحسن الحظ، وهذا هو درس الفيلم، فإن الجيل القادم ليس بعيداً عن الفتيات الصغيرات اللواتي يحضرن بروفات كبارهن بلا كلل.
مع انتهاء الفيلم، نشعر بالحزن لفكرة اضطرارنا لمغادرة هؤلاء الفتيات الخمس، من دون أمل في التواصل معهن، بالنسبة لمن تحلم بأن تصبح مخرجة، نفهم أنها ستغادر قريتها لبدء دورة تدريبية فنية، لكن الأخريات سيبقين في هذه البقعة من الأرض من عصر آخر إذ حرمت سيطرة الرجال بلداً بأكمله من تأثيره على العالم.
“بنات النيل” عمل حيوي وقوي، يفتح الآمال، لكنه للأسف يُخمد آمالًا أخرى، في عالم لم يستعد فيه كبرياء الرجال للزوال.