الثورة – سنان سوادي
السلم الأهلي ضرورة وطنية، إنسانية، أخلاقية للعبور إلى الدولة الحديثة، وللوصول إلى سلام دائم مستدام، ومجتمع متماسك يقوم على احترام التنوع الثقافي الفكري العقائدي العرقي، بعيداً عن التخوين والتهميش والإقصاء، وبناء مؤسسات وطنية، والمساواة بين الجميع بالحقوق والواجبات، وتحقيق العدالة الاجتماعية على قاعدة المشاركة المجتمعية الوطنية بين الجميع.
ولتسليط الضوء على مفهوم السلم الأهلي ومرتكزات تحقيقه استطلعت صحيفة الثورة آراء كوكبة من المثقفين في اللاذقية.
يؤكد رئيس فرع اتحاد الكتاب العرب الأسبق في اللاذقية الدكتور عدنان بيلوني أننا عندما نقول سلماً أهلياً، نقصد مجتمعاً أهلياً مدنياً بكل أبعاده، والسلم يعني الأمان، فلا سلم بلا أمن ولا أمن بلا سلم، وهما يقودان إلى الاستقرار السياسي والاقتصادي والمجتمعي الذي يقود إلى الدولة الوطنية.
وأضاف: السلطة هي من تملك الشرعية لفرض السلم الأهلي والحق القانوني للتدخل لفض النزاعات، ونحن الآن في مرحلة الانتقال من الثورة إلى الدولة، لذلك على السلطة أن تتدخل لمصلحة بناء الدولة المدنية التعددية التي تحقق العدالة الاجتماعية والمساواة، وبشكل إيجابي بما يعزز ويؤكد المشروع الوطني من وحدة الجغرافيا، والمواطنة، والمساواة وغيرها، والعمل على تحسين المستوى المعيشي للمواطن وبناء اقتصاد وطني قوي، وفتح باب الاستثمارات أمام رجال الأعمال الوطنيين بما يخدم الاقتصاد ويحقق الرفاهية الاقتصادية المجتمعية،وهذا ماتعمل عليه .
نبذ العنف
فيما لفت الباحث التراثي حيدر نعيسة إلى أن قيمة السلم الأهلي تكمن في المعاني المتضمنة في هاتين الكلمتين، إضافة إلى المفاهيم العملية لهما في حياة الأفراد والمجتمع، فالسلم ضد الحرب، والأهلي ضد العنف.
وبين نعيسة أن تحقيق السلم الأهلي يكون من خلال تعزيز المواطنة، فلا وطن بلا مواطنة ولا مواطنة بلا وطن، والخيط الواصل بين الجميع يكون من خلال الأنظمة والقوانين والدستور، آملاً أن يعم السلم الأهلي لينهض الوطن للجميع وبهمة الجميع، ليشعروا أنهم شركاء في بنائه ومسؤولون عن حمايته والحفاظ عليه.
نبذ الطائفية والعنصرية
بدوره، أشار مدير ومؤسس جمعية “شراع للثقافة والإبداع” أحمد داؤد إلى أننا عندما نتحدث عن السلم الأهلي في وطن ما، فإننا نتحدث عن تاريخ ومستقبل هذا الوطن، لذلك يجب أن تتحد الآراء والأفكار لبنائه بناءً سليماً معافى من كل النوائب والشوائب.
وحتى تتحقق هذه الشروط، علينا نبذ كل أشكال الطائفية والعنصرية والاستبعاد لأي فئة من فئات الشعب، والأساسي والثابت الجوهري في بناء الدولة وإرساء الأمن والسلم الأهلي بين أبناء الوطن، يتم من خلال المساواة والعدالة ، والجرأة في اتخاذ أي قرار يضمن الحقوق الكاملة والشاملة للمواطنين ، ولمّ شملهم تحت سقف الوطن وبظله.
تشاركية
فيما أكد صاحب “دار عين الزهور للنشر” لوثر حسن، أن تحقيق السلم الأهلي يتطلب جهود المجتمع بكل مكوناته، إذ تشارك السلطة بكل مؤسساتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية مع المجتمع الأهلي بكل ما فيه من نخب ثقافية واجتماعية، لتعزيز لغة الحوار واحترام الاختلاف والحق بالتعبير عن الرأي، بهدف الوصول إلى شراكة حقيقية، ونشر الوعي حول السلم الأهلي والتنمية الذي يؤدي إلى تغير سلوكيات الأفراد التي تتراكم لتحدث تغيرات كبيرة على مستوى المجتمع، ورفض العنف، ونبذ الخطابات التحريضية، ونشر قيم المحبة والعيش المشترك، بما يعزز التماسك الاجتماعي والمفاهيم الوطنية وتشجيع وتوسيع المشاركة بين الجميع، وخاصة فئة الشباب لتتحول طاقاتهم ضمن المؤسسات وتحت سقف الأنظمة والقوانين، ودعم الفئات الصغيرة والمهمشة وتعزيز دورها، ودعم مشاركة المرأة.
العيش المشترك
الشاعرة مروى قره جه، رأت أن السلم الأهلي حالة إنسانية طبيعية، تتغذى على القيم وترتوي بالأخلاق والفطرة في المجتمعات السليمة بما يعزز القيم الوطنية الإنسانية.
والسلم الأهلي هو ألا نطلق الرصاص على أنفسنا، وأن نقف مع العدالة من دون المحسوبيات، وإعطاء الحقوق ومحاسبة المخطئ ليشعر كلٌ من موقعه بأنه ينتمي انتماءً فعلياً وليس مجرد أقوال.
وإذا أردنا أن نسمو بالحاضر إلى مستقبل تستحقه سوريا، يجب ترسيخ مفاهيم العيش المشترك والتوافق والتجانس بعيداً عن أي انتماء يؤدي بسوريا إلى ما لا تحمد عقباه.
وأضافت: إذا أردنا أن نعرّف السلم الأهلي بعين العاطفة، أقول: إن الشر يرد إليه الشر ، والخير لا محالة سيحمل الخير، ولنعمل على أن تعم عقلية الانتماء المشترك على الجميع للوصول إلى مجتمع صحي قويم غير متشظٍّ وغير عنيف.
ولا شاهد أعظم من قول الله تعالى في كتابه العزيز في سورة الأنفال: (وإن جنحوا للسلم فاجنح لها، وتوكل على الله إنه هو السميع العليم).
فليكن للسلم الأهلي رواد يدعون إليه ويدعمونه، ودورات تنشر ثقافة تقبّل الآخر، وندوات أهلية تدعو لمنع العنف ولإعادة الثقة بين جميع المكونات.
تاريخ حافل
من جهته، أكد الصحفي جورج شويط أن الشعب السوري عريق، وأصيل، وتاريخه حافل يعود لـ 12 ألف سنة، فيه بصمات وأوابد وحقائق دامغة تشهد لها البشرية، وأرضه مباركة، خصّها الله بأعظم رسالاته السماوية.
وأشار إلى أن الشعب السوري تليق به الحياة، والسلم والسلام والأمان بين أطيافه وأعراقه ومكوناته، والأخوّة والمحبة، فإن تتكنّى باسم سوريا، يعني أن تعتز بمواطنيتك وانتمائك، كمواطن كريم حرّ في دولة لها سيادة وعلوّ شأن، وأن تكون خليةً نابضة بالعطاء والحب ضمن هذا (الجسد الواحد) المتآلف، وهذا مايتمنّاه حقيقةً كل محبّ لسوريا ولسوريته، وعكس ذلك من دعوات للتقاتل، والتناحر، والتقسيم والضياع، فهي، بالتأكيد، سموم لايبثها إلا كل حاقد وعدوّ وكاره لأن تكون سوريا قوية متماسكة موحدة حرة كريمة، اسمها مرسوم على جبين الشمس، وتتصدر كل الأمم.
هذه سوريا، وهذه حقيقتها وصورتها الناصعة التي نعرفها ويعرفها العالم، والتي بها نفاخر، وسنبقى نفاخر بها إلى أبد الدهر.