الثورة- مها دياب :
منتدى الاستثمار السوري السعودي لم يكن مجرد مناسبة اقتصادية عابرة، بل هو تجلٍّ واضح لفكرة أن الاستقرار العربي لا يبنى بالبيانات الدبلوماسية وحدها، وإنما يصنع عبر الفعل التنموي والتضامن الحقيقي.
إن ما جرى في دمشق هو تأكيد على أن التضامن العروبي لا ينتظر اللحظة المناسبة، بل يصنعها بإرادة سياسية وإيمان حقيقي بالشراكة.
لقد جاءت السعودية الى سوريا في ظرف استثنائي، لا طلباً للمردود الاقتصادي، بل بحثاً عن إحياء عمق العلاقة بين شعبين وبلدين تربطهما ذاكرة واحدة ومسار مشترك.
فالسعودية، بقيادة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، دخلت المنتدى وهي تحمل خطاباً وجدانياً وسياسياً، يقول لسوريا: “أنتم لستم وحدكم، ونحن هنا لنبني لا لنراقب”.
فأن تعقد هذه القمة في دمشق، وفي ذروة الحاجة، هو إعلان بأن العروبة لم تتراجع، وأن الدول العربية لا تزال قادرة على إعادة بناء ما تهدم، حين تتوحد الرؤية وتخلص النوايا.
موقف سياسي داعم
يرى الباحث السياسي بسام السليمان أن المنتدى يجسد تحولاً نوعياً في الموقف السعودي تجاه سوريا، ويعد قراراً استراتيجياً لا يرتهن لظروف اللحظة، بل يصنع منها بوابة جديدة نحو الاستقرار. كما أكد أن تقديم الدعم التنموي في لحظة صعبة هو أقوى تعبير عن موقف سياسي داعم، ويعكس رغبة المملكة في أن تكون شريكاً حقيقياً في بناء سوريا الجديدة.
وأضاف السليمان أن الاستثمار السعودي في هذه اللحظة ليس مجرد خطة اقتصادية، بل رسالة واضحة بأن سوريا جزء من القلب العربي، وأن إعادة الإعمار ليست فقط في البنية التحتية بل في الثقة والعلاقات.
ويرى أن التحرك السعودي في هذا التوقيت يعيد تعريف مفهوم الاحتضان العربي بأنه فعل مسؤول لا ينتظر نهاية الأزمة ليبدأ، بل يتدخل لصناعتها.
المنتدى يعيد هندسة الاقتصاد والإدارة
من جانبه، يرى الباحث الاقتصادي والإداري خالد سنيور أن المنتدى لا يقاس فقط بحجم الاتفاقيات، بل بأثره على البنية المؤسسية للإدارة الاقتصادية في سوريا.
ويؤكد أن تأسيس مجلس أعمال سعودي سوري، وتطوير التشريعات الاستثمارية، وتفعيل أدوات التمويل المشترك، كلها مؤشرات على تحول إداري عميق سيعيد لسوريا قدرتها على جذب رؤوس الأموال وتحفيز المشاريع التنموية.
وقال سنيور: إن المنتدى لا يكتفي بالوعود بل يقدم أدوات عملية لإنعاش الاقتصاد، عبر خلق بنية إنتاجية تتكامل فيها القطاعات الحيوية مثل: السياحة والاتصالات والزراعة.
وأضاف ان اقتراح إنشاء بنك سعودي سوري يمثل خطوة استراتيجية لتعزيز الشفافية وتمكين التدفقات المالية، ما يعزز دور سوريا كمركز إقليمي قادر على النهوض من جديد.
إن منتدى الاستثمار السوري السعودي هو أكثر من ملتقى اقتصادي؛ هو بداية لكتابة فصل جديد من العلاقات العربية، عنوانه الأخوة والدعم الحقيقي.
لقد اختارت السعودية أن تدخل سوريا من بوابة الفعل لا الترقب، ومن موقع الشراكة لا الرعاية، لتعيد رسم صورة العلاقة العربية على أسس جديدة تراعي المصير المشترك والتكامل الحقيقي.
هذه ليست صدفة ولا مجاملة، بل هي قرار صادر عن قيادة أرادت أن تقول: إن المستقبل العربي لا يبنى إلا بتكاتف الحريصين عليه.
من دمشق التي أنهكتها الأزمات، إلى الرياض التي مدت يدها في لحظة الصدق، تبدأ مرحلة جديدة، فيها لسوريا مكان، وفيها للعرب فرصة لصناعة واقع يحمي ذاكرتهم، ويمنح شعوبهم أفقاً من الأمل والعمل.