الثورة:
أصدر القضاء السوري قراراً بتحريك الدعوى العامة بحق الوزير اللبناني السابق وئام وهاب، بعد سلسلة تصريحات ومواقف اعتُبرت تحريضية ومهددة للسلم الأهلي في سوريا، في تطور لافت يعكس توجه الدولة السورية الجديدة لاتخاذ خطوات حازمة ضد خطاب التحريض والتجييش الطائفي، بغض النظر عن مصدره.
من هو وئام وهاب؟
وئام وهاب هو سياسي لبناني وزعيم “حزب التوحيد العربي”، وسبق أن شغل منصب وزير البيئة في حكومة نجيب ميقاتي عام 2004، يُعرف بخطابه الحاد ومواقفه الاستفزازية التي طالما أثارت الجدل، سواء على الساحة اللبنانية أم في الملفات الإقليمية.
يُصنَّف وهاب من أبرز الشخصيات الدرزية ذات العلاقة الوثيقة سابقاً بنظام بشار الأسد، وبرز خلال سنوات الحرب في سوريا كأحد المدافعين الصريحين عن النظام، قبل أن يتحول في الأشهر الأخيرة إلى مهاجم شرس للحكومة السورية الانتقالية والرئيس أحمد الشرع.
القرار القضائي: تحريض وادعاء على الدولة السورية
في 23 تموز 2025، أصدر المحامي العام بدمشق، القاضي حسام خطاب، قراراً بتحريك الدعوى العامة ضد وئام وهاب، بتهم متعددة شملت نشر أخبار كاذبة تمس هيبة الدولة، التحريض على الفتنة الطائفية، الترويج لتغيير رئيس الدولة خارج الأطر الدستورية، الدعوة للعصيان المسلح”
وتم اعتماد مواد من قانون العقوبات السوري، منها المادتان 293 و298 اللتان تتعلقان بجنايات التحريض والفتنة، إضافة إلى المادة 374 الخاصة بالقدح والذم، فضلا ًعن المادة 28 من قانون مكافحة الجرائم المعلوماتية رقم 20 لعام 2022، وبحسب الوثائق القضائية، تم إحالة الملف إلى قاضي التحقيق الخامس بدمشق، المختص بالنظر في جرائم المعلوماتية.
مضمون التحريض: تحالفات إعلامية وتهديد للسلم الأهلي
جاء القرار القضائي استناداً إلى دعوى مباشرة تقدم بها المحامي السوري باسل سعيد مانع، بالتعاون مع الإعلامي ماهر الزعبي، المعروف بلقب “ماغوط حوران”، واعتبرت الدعوى أن وهاب استخدم منصات إعلامية لبث معلومات كاذبة ومضللة، في محاولة لإشعال الفتنة بين السوريين والتحريض على مؤسسات الدولة الشرعية، وتحديداً من خلال وصف الحكومة الانتقالية بأنها “مغتصبة للسلطة”، والدعوة بشكل صريح إلى العصيان المسلح ضدها.
وسبق لوئام وهاب أن أطلق تصريحات وصف فيها الرئيس أحمد الشرع بـ”المنقلب” و”الطارئ على الحكم”، كما اتهمه بأنه “ينفذ أجندة أمريكية لتفكيك سوريا”، مطالباً الطائفة الدرزية برفض الانصياع للدولة الجديدة، والدخول في “مقاومة مسلحة للدفاع عن وجودها”، على حد وصفه في مقابلة بثتها وسائل إعلام مقربة من حزب الله.
التأثير والردود: بين الصمت الرسمي اللبناني والتنديد الشعبي
رغم خطورة هذه التصريحات، لم تُسجّل مواقف رسمية لبنانية واضحة تندد بها، ما زاد من حدة الانتقادات الشعبية، خاصة بين شخصيات درزية سورية نأت بنفسها عن خطاب وهاب، واعتبرته “استفزازاً صريحاً لمكونات المجتمع السوري، ومحاولة لإعادة إنتاج خطاب النظام البائد بأسلوب طائفي.
من جهة أخرى، أثنى ناشطون وحقوقيون على خطوة الادعاء العام، معتبرينها أول مؤشر على أن الدولة السورية الجديدة بدأت تتعامل بجدية مع محاولات التحريض الخارجي، حتى عندما تصدر من شخصيات كانت في السابق محسوبة على حلفاء دمشق.
في السياق السياسي: محاولة يائسة لإرباك المرحلة الانتقالية
يقرأ محللون موقف وئام وهاب باعتباره انعكاساً لموقف القوى المناوئة للمرحلة الانتقالية في سوريا، التي فقدت نفوذها بعد سقوط نظام الأسد، ويعتبر البعض أن تحريض وهاب يُستخدم كورقة ضغط إقليمية لإرباك الوضع الداخلي، بالتوازي مع تصاعد التوترات جنوب سوريا، خاصة في محافظة السويداء التي يحاول بعض الفاعلين تحويلها إلى ساحة صراع مذهبي.
يوجّه تحريك الدعوى العامة بحق وئام وهاب رسالة واضحة مفادها أن الدولة السورية الجديدة لن تتهاون مع أي خطاب يهدد الوحدة الوطنية، أو يسعى لتأجيج العنف الطائفي، سواء جاء من الداخل أو الخارج.
وتبقى الخطوة بانتظار استكمال الإجراءات القضائية ومتابعة ما إذا كانت ستُترجم إلى مذكرة توقيف رسمية بحق الوزير اللبناني السابق، في إطار سياسة قضائية جديدة تُغلّب مصلحة الدولة على الاعتبارات السياسية القديمة.