الثورة – رنا بدري سلوم:
“لا يمكن لعاقلٍ صاحب رأي أن يصدّر نفسه راعياً للحقيقة محيطاً أطرافها، فكلّ واحد منا يمتلك الجزء الذي يراه مناسباً، حاول أن تقف في الجزء المقابل لك من الطرف الآخر، سوف تجد أن المشهد قد تغير وأن الصورة السابقة أصبحت لا تمثل أي جزء من المشهد الذي كنت تراه، يقول المثل الشعبي:”ضع إصبعك في عينك توجعك”..
وجه رئيس اتحاد الكتاب العرب الدكتور محمد طه العثمان من منبر مجلة الأسبوع الأدبي هذه الكلمات لنا جميعاً نحن كسوريين..، من هنا ولكلّ العاقلين في بلادي يقول: نحن على مفترق طرق، منه السالك الذي يوصل إلى الهاوية، ومنه الوعر الذي يوصل إلى النجاة، ولكلا الطرفين إشارات توضح لهذا ولذاك.. لا بد أن نغلّب العقل على العاطفة وأن نفكر بالمصلحة العامة من دون الشخصية، وأن نتخلى عن الأنانية، وقد قيل في ذلك: إن الأنانية كريح الصحراء، تجفّف كل شيء.
مستذكراً طه ما جاء على لسان الحكماء: يتصور الطحان أن القمح إنما ينمو لتشغيل حانوته، وكذلك الأناني، مؤكداً أنه لا مظلومية فوق مظلومية الوطن ولا جرح نازف فوق جرح البلاد، وكم من عاقل شعر بغربة حين حضن كل هذه الجراح وانتمى لها كلها، ولم يميز ذرة تراب عن أخرى.
ففي زحمة الآلام الشخصية وتفاصيل الحياة اليومية، قد ننسى أحياناً أن هناك جرحاً أكبر، وألماً أعمق، لا يضاهيه ألم:
إنه جرح الوطن، إنها آهات الأفراد مهما عظُمت، تبقى صغيرة أمام أنين الأرض التي تحتضنهم، والأرض حين تبكي، تصمت كل الآهات.
خاتماً بالقول: الوطن ليس مجرد حدود جغرافية أو علماً يرفرف، بل هو حضن الأم، وذاكرة الطفولة، وأمان المساء، فإن جُرِح الوطن، نزفنا جميعاً، وإن تألم، تألمنا جميعاً، حتى وإن كابرنا، وإن كان لكل جرح دواء، فجرح البلاد لا يبرأ إلا بالعدل، والوحدة، والصدق في الانتماء.
مهرٌ كتب بالدم
هكذا وصفت المشهد اليوم، حين سألتها عن دورنا كشعراء، التربويّة الشّاعرة ثناء العلي، في حديثها لـ”الثورة”، بينت أن الوطن عائلتنا الكبرى يجتمع في كنفه الأمان، وعلى مائدة الحب، وإن الأرض تموت حين يرحل عنها أبناؤها، والحرب قبيحة ودميمة ولا تساوي أهدافها ضحكة ملائكية على وجه طفل، نحن أبناء سوريا الكرام، أبناء الشّمس التي لا تغيب ،إننا نحب الحياة وسوريا حضن الأم الدافئ الذي يجمعنا كلّنا بكل أطيافنا ومعتقداتنا.
إن النّصر لا يساوي شيئاً ما لم تحتضن كل أمّ طفلها، وبالتالي نحتضن سوريا ويتغلّب العقل على لغة الطائفية والتحريض، ولنفتح باب الحوار من أجل حقن الدماء. وبعد أربعة عشر عاماً من الألم والجراح وتقديم التضحيات يجب علينا أن نتعالى على جراحنا ونضمّد هذه الجراح ونكون أقوى منها.
خاتمة قولها: سوريا بلدنا الغالي، لا ولم ولن نغادر هذه الأرض الطاهرة الطيّبة، وسنبقى نقدم الغالي والنفيس من أجل أن تبقى سوريا واحدة موحدة لكل أبناء البلد ومن أجل كل من ضحى لأجلها، فما زلنا نريد الحياة وننتظر صباحاً شهيّاً لمناغاة الأحلام، فالحياة معنى آخر ،وللوطن وجه واحد، فيجب علينا وأد الفتنة لنحافظ على السيادة الوطنية لأمّنا سوريا وننعم بها جميعاً.
أتبصرون.؟!
يسألنا الشاعر حسن قنطار.. “وجعلنا بعضَكم لبعضٍ فتنةً، أتصبرون؟” في عنوان مقاله للأسبوع الأدبي، وفي حديثه لنا قال: التي خصصها في لغة المصابرة التي يجثو العاقل على مفارقها ليلج شعابها مثقلاً بنواياه البيضاء التي اغبرت، وسجاياه الفطرية التي رقّمتها يد الزمن، تغتاله لحظةٌ هنا ولحظات هناك، بين سطوة النقد وأضحوكة العابثين، غير أنه يمضي إلى حيث تراه عيناه الواعيتان، ويقاوم بالقدْر الذي تشدّه رجلاه العازمتان إلى بغيةٍ يصبو إليها الناجحون، ويكبو عند أول مشارفها الفاشلون، في لغة الواقع التي تتقافز فيها الأمزجة والألوان لتشكل لوحة وفق متتالية لامحدودة ولا ممنوعة.. تحفزّك في الوقت ذاته رغبة بالانتصار ولكن بأسلحة ناعمة، فلا أنت مرتكبٌ لجنحة اللامبالاة، ولست عصيّاً على أن تُنال.