خطر لها اليوم على غير العادة أن تدخل من الباب الخلفي المفضي إلى حديقة الحي، ولكنها انتبهت أن الحديقة التي أمضى سكان الحي سنوات طويلة في رعايتها قد داهمها الاصفرار.
رغم القذائف والخوف والموت، لم تنقطع السقاية.. كلّ مساء، تتناوب الأيدي على حمل الدلاء، كما لو أن الماء نوع من الصلاة، لم يكن أحد يسأل من سقى، أو لمن هذه الشجرة، كان الكل يسقي الكل، وكانت الحديقة تنبت كأنها تصرّ على الحياة وسط الحطام.
في ليلة رمادية، بدأ الخلاف.. كلمة من جار، وشكوك من آخر، فتنة صغيرة، لا أحد يذكر كيف بدأت، لكنها كانت كافية لتجفّ يد السلام.. اختلفوا، وتخاصموا، وتبادلوا الشتائم بدلاً من الماء.
مع تصاعد النزاعات بدأ منسوب المياه ينخفض، وأصبح كل منزل يتمسك بالماء كي يتقي شر العطش، مع تصاعد الهمس بين الجيران، ومع استمرار الوضع البائس، انتقل هذا البؤس إلى الأرواح.
بقيت هي وبعض الأفراد المخلصين للحديقة يتسللون وهم يحملون بعض زجاجات المياه، محاولين اقتطاعها من مخزونهم لري الحديقة، من دون مساندة..
حين اضطرت للسفر والعودة مؤخراً انتبهت أنه مع ذوبان الود، توقف الري، وتحولت الحديقة إلى رماد أخضر .
في أحد الأيام التقت مع جارتها صدفة عند أطراف الحديقة، قالت: لها هل تتذكرين شجرة المشمش؟ كانت تثمر رغم الحصار.. قالت: كانت تنبت من حبّنا لا من الماء فقط.
أقنعوا الجميع بأن يتصافحوا، وسقوا الجذور القديمة، بدأت المياه تعود. طفل يحمل زجاجة، امرأة تمسح الغبار عن ورقة، ورجل يغرس شتلة جديدة. لم يُعلنوا الصلح، ولم يعقدوا اجتماعاً. فقط.. سامحوا.. وبعد أسابيع، أزهرت شجرة الرمان.