الثورة أون لاين – رياض طبرة:
حاولت جاهداً أن أعثر على تعريف شاف كاف للقصة القصيرة، يقبل فيه أهل الأدب من كتاب ونقاد وقراء, لكنني في كل محاولة أجد نفسي أمام تعريف جديد ترتاح له ملكاتي العقلية إلى حين.
آخر تعريف توصلت إليه أن القصة القصيرة هي فن التقاط اللحظة, أي الزمن, في مدلوله الخاص والعام.
والقصة في واقع الأمر هي النص المكثف القادر على تحويل الحكاية إلى فن, وجنس أدبي شق دربه بين صنوف الأدب بعبقرية الرواد وسهرهم على الكلمة حراساً للإمتاع والمؤانسة.
وكلما كانت تلك اللحظة من جمر المعاناة كانت أقرب إلى قلوب سامعيها, وبالتالي لا خوف على مستقبل الكلمة مادام هناك أوفياء وأصحاب رسالة, وما بين أيديكم شاهد على هذا الوفاء وهذا الشغف بالقصة كفن قادر على أداء رسالة المحبة والجمال والخير والفضيلة.
وقبل إلقاء بعض الضوء على (نشيج الياسمين) لا بد من السؤال الممض والجارح والذي يظل مفتوحاً على إجابات شتى:
ماذا فعلت الحرب بنا نحن السوريين؟
وعلى وجه التحديد ماذا فعلت الغربة بالسوريين والسوريات الذين أكرهوا على الاغتراب, وكيف امتص بعضهم صلفها وقسوتها على نفوسهم؟
وكيف كانت حالهم ولا سيما تلك الأصوات التي كادت الغربة أن تخنقها, لكنها أبت إلا أن تقول كلمتها فجاءت الحروف مثقلة بالحسرات والآهات وبالدم والدموع، وبكل مفردات الحزن التي أبدعتها قواميس العربية.
عاشقة الياسمين يسرى الشلبي عاشقة حقيقية وليس على المجاز للياسمين و تكاد أن تكون كاتبة من ياسمين, لم تمنعها الغربة من تسطير حرفها الدمشقي (التلاوي) الأنيق, فراحت تبعث قصص شوقها واحدة تلو الأخرى قلائد عشق وحنين.
بل أكاد أجزم أن تلك الغربة حرضتها وما زالت على الإبداع في نقل المعاناة من الصدور إلى السطور, فكان أن افتتحت نشيجها السردي ب (شهد) وشهد هذه هي ذاتها ( التائهة) في رواية ثانية, وهي (حياة) التي قلب ( الهاتف) حياتها رأساً على عقب, ليصبح الحزن صديقها الأبدي.
ثم تتالت القصص تحكي وجع الروح بعد غربة واغتراب، ليصبح (العيد) غصة في الحلق ودمعة في العين وليغدو (اللقاء اليتيم) علامة فارقة.
هذه التجارب القصصية التي رافقت بعضها بحكم الصداقة لابد أن تنجح في الوصول إلى مرادها, ولا بد من أن نجد فيها الكثير من النجاحات في تصوير الواقع ونقله لا كنص طللي استحب المقاربة بين حياتين, بل هي النتاج الطبيعي للمأساة.
لقد أفلحت يسرى في اختيار هذا الجنس الأدبي وهي القادمة من الجبر والهندسة وباقي مفردات الرياضيات وقوانين الفيزياء والكيمياء، وقدت دفعتها الغربة إلا أن تبعث ذكرياتها حية عن الأهل والوطن والأصدقاء وتلبسها الثوب الذي تستحقه لتظل قطعة من روحها كما لو أنها ولداً من أولادها وهي أم البنين حفظها وحفظهم الله, أو بنتاً من نسيج أناملها لعلها تشكل إضافة إلى التجارب القصصية الحديثة.
الغربة عرت أرواح المهاجرين وكل من ذاق طعمها وإن كست أجسادهم أو أمنتهم من خوف, لكنها كانت عند يسرى الشلبي منصة للانطلاق نحو فضاء الكلمة الأمينة على الحقيقة والوفية للوطن, لتستحق القراءة منا ومن الأجيال السورية المتعاقبة.