الثورة أون لاين – ترجمة غادة سلامة:
تثير صفقة الغواصات الفرنسية الفاشلة مع أستراليا تساؤلات حول ما إذا كانت هناك فجوة لا يمكن ردمها بين رؤية فرنسا لنفسها على المسرح العالمي وقوتها الفعلية.
أوروبا مليئة بالقوى الإمبريالية السابقة الباهتة، لكن فرنسا تشبثت أكثر من غيرها بماضيها كقوة عظمى، ولا تزال ترى نفسها على أنها تتمتع بمصالح عالمية بسبب ممتلكاتها الإقليمية في منطقة المحيطين الهندي والهادئ ومنطقة البحر الكاريبي، وهي مشبعة بشعور العظمة.
إن عودة فرنسا للحديث عن محاربة الظلامية في العالم وعرضها لعالميتها العلمانية كنموذج للمجتمعات الحديثة، قد تجاوز وزنها الجيوسياسي، وهي تجاوزته فعلاً، ليُظهر السؤال عما إذا كانت فرنسا لا تزال قوة عظمى فعلا – هناك تأكيد متكرر على أن فرنسا تعاني من تدهور وجودي – وهو أحد أكثر الموضوعات فاعلية في السياسة الداخلية الفرنسية، إن فرنسا غارقة في التاريخ، ولا تزال ترى نفسها على أنها تحتل المرتبة الأولى في الترتيب العالمي، إن هذا الإدراك الذاتي يشكل الطريقة التي تتعامل بها مع الدول الأخرى، بما في ذلك المستعمرات السابقة حيث تستند سياستها الخارجية على ما لايزال يصفه الآخرون في كثير من الأحيان بأنه يتحمل “مسؤوليات معينة”.
يقول السيد أرنو دانجين: إن فرنسا تواجه أيضاً صعوبات في التعامل مع القوى الناشئة مثل الأرستقراطي العجوز الذي يضطر الآن لتناول العشاء بجانب فلاح أصبح ثرياً، وهو يجد ذلك أمراً لا يطاق لأن فرنسا مهووسة بشيء واحد وهو الرتبة، يجب أن تحافظ فرنسا على مرتبتها، يمكننا تحليل هذا الأمر نفسياً، لأن بعضاً من هذا على مستوى العقل الباطن.
في عام 2016، أبرمت فرنسا صفقة بقيمة 66 مليار دولار لتزويد أستراليا بعشرات من الغواصات الهجومية التقليدية، وكان من المفترض أن يكون العقد الذي تبلغ مدته 50 عاماً أساس استراتيجية أوروبية جديدة في منطقة المحيط الهادئ.
يقول دانجين: نحن بحاجة إلى سياسة فرنسية في المحيط الهادئ لأن لدينا مصالح تجارية واقتصادية وإقليمية هناك، لكن الوسائل المتوفرة لدينا الآن لا تسمح لنا بأن نكون بديلاً موثوقاً للولايات المتحدة في مواجهة الصين.
عضو فرنسي في البرلمان الأوروبي، ومسؤول دفاعي سابق ودبلوماسي يقول: “المحيط الهادئ هو ملعب القوى العظمى، وهو حكر على الولايات المتحدة والصين”.
ويتابع: إنه في الوقت الذي تتآكل فيه حتى أكبر مناطق نفوذ فرنسا في مستعمراتها السابقة في إفريقيا بسبب المنافسة من الدول الأخرى، تحتاج فرنسا إلى رسم أولويات واضحة في سياستها الخارجية.
إن فرنسا المحاصرة في تصورها الذاتي كقوة عالمية تكافح من أجل فعل ذلك، بينما يقول السيد ماكرون إن قوة فرنسا تكمن في أوروبا القوية، إلا أنه غالباً ما كان يمضي قدماً بمفرده، على حد قوله.
فالفرنسيون يشعرون بالحنين قليلاً إلى العظمة لكن المشكلة هي أنه مع هذا النوع من المواقف، في اليوم الذي لا تسير فيه الأمور كما تريد، تجد نفسك بالضبط في هذا النوع من المواقف الصعبة التي تعيشها الآن فرنسا بعد فشل صفقتها مع أستراليا.
برونو تيرتريس، نائب مدير مؤسسة الأبحاث الاستراتيجية، الذي ساعد في إقامة مناقشات بين الفرنسيين والأستراليين بشأن مستقبل علاقاتها قبل عقد من الزمان، يرفض فكرة أن فرنسا فشلت في تجاوز حدودها، وألقى باللوم بدلاً من ذلك على ازدواجية الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا.
أما هوغو ديسيس، المحلل الفرنسي في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في لندن فيقول: إنه في حين أن الجيش الفرنسي يتضاءل أمام جيش الولايات المتحدة أو الصين ، فإنه لا يزال أحد أقوى الجيوش في العالم، وتدعمه صناعة عسكرية محلية على مستوى عالمي.
مع 5000 إلى 7000 جندي في منطقة المحيط الهادئ، و20 إلى 40 طائرة عسكرية وسبع سفن بحرية، تعد فرنسا الدولة الأوروبية الوحيدة التي تتمتع بقوة عسكرية حقيقية في المنطقة، كما أجرت القوات الجوية الفرنسية تدريبات لنشر مقاتلات رافال من فرنسا في منتصف الطريق عبر العالم إلى المحيط الهادئ كإظهار للقوة.
وتمتلك فرنسا أيضاً مقعداً في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، ما يمنحها قدراً من القوة الصارمة في جميع أنحاء العالم، لكن بالنسبة للقوة العظيمة التي كانت عليها فرنسا ذات يوم، فإن ذلك لا يكفي أحياناً، ويتابع السيد ديسيس قائلاً: إن انحدار فرنسا هو موضوع يظهر في كثير من الأحيان، لاسيما خلال فترات الانتخابات، ويحظى بشعبية بين اليمين واليمين المتطرف.
إنها فكرة أن فرنسا كانت قوية ومؤثرة للغاية، وأن فرنسا اليوم غير ذات أهمية ومحتقرة، ومن الواضح أنها قصة يمكن التشكيك فيها، وطبعا يبقى هذا الرأي هو رأي السيد ديسيس الشخصي.