الثورة أون لاين – بشرى سليمان:
في مشهدٍ يتكرر كثيراً مع بداية شهر أيلول (موعد بدء العام الدراسي) ترى وبشكلٍ لافت الكثير من التلاميذ الصغار يتهافتون لحضور الدروس الخصوصية المسائية في منازل المعلمين على شكل مجموعاتٍ صغيرةٍ وسعيد الحظ منهم يتلقى الدروس بمفرده، والأسعد منه من يأتي أستاذه إلى البيت فيحظى بكل الاهتمام، وما أجمل أن يكون أستاذ المدرسة هو نفسه أستاذه الخصوصي عندها ستكون الفائدة مزدوجة، تمييز ومتابعة لصيقة في الصف وجد ودراسة خارجه.
لقد ازدهرت سوق الدروس الخصوصية في السنوات الأخيرة مهما كان عمر الطالب صغيراً لدرجة أنها أصبحت عرفاً سائداً عند بعض العائلات المقتدرة مادياً من أجل البروز بين معارفهم، فلكل أستاذ تسعيرة خاصة بساعته الدرسية تعتمد على اسمه، وسمعته، ومنطقته، رافق ذلك ظهور معاهد متابعة يومية لجميع الصفوف وجميع المواد بحجة ضعف الأداء المدرسي أمام المناهج الجديدة.
السيدة منى محمد (موظفة وأم لطفلين أحدهما في الصف الثالث والآخر في الصف الخامس) غير راضية عن دروس المتابعة تبذل جهدها للتوفيق بين واجباتها المنزلية وتدريس طفليها بالشكل الأمثل لكن ضعفها باللغة الانكليزية دفعها للاستعانة بمعلمة لغة انكليزية وتحمل عبء مادي مرهق.
وتعجز السيدة فاتن مهنا (ممرضة وأم لطفل في الصف السادس) عن مساعدة ابنها في دراسته، أولاً بسبب طبيعة عملها، وثانياً لأن المنهاج الدراسي الجديد وبمعظم كتبه لا يتضمن المعلومات بل يحتاج إلى بحث على الشابكة (السؤال الذي يتكرر دائماً: ابحث في الشابكة بمساعدة الأهل) وهي أيضاً تجد المدرس الخصوصي يبسط المعلومات ويختصرها موضحاً أهم ما يجب التركيز عليه وقد يأتي في الاختبار أو الامتحان.
ترى مرح حداد (معلمة للصف الرابع في مدرسة خاصة) أن مشكلة الدروس الخصوصية تتفاقم يوماً بعد يوم حتى أصبحت قضية مجتمع، حيث نلاحظ تهافت التلاميذ عليها بمختلف مستوياتهم رغم حصص الدعم والإثراء، متناسين أنها قد تؤدي في المستقبل إلى تكوين طالب اتكالي بدرجة كبيرة، وكسول، ولا يعمل إلا من أجل الحفظ والاستظهار ضارباً بعرض الحائط هدف التعليم وهو تنمية التفكير والتعليم من أجل الابتكار والإبداع، وتدعو حداد إلى الاستفادة من اليوتيوب وفيديوهاته التعليمية إذ يمكن الحصول على المعلومة من أكثر من مصدر دون تكاليف باهظة.
أما أحمد عاصي (مدير مدرسة ابتدائية) فقد قال: المناهج الجديدة بغالبية موادها تعتمد على المشاركة بين المعلم والطالب في البحث عن المعلومة إضافةً للتجارب العلمية، وحلقات البحث، وهذا ما شكل صدمةً للمدرسين بسبب الإمكانيات الضعيفة في المدارس، لمجاراة منهاج يعتمد على البحث والتجربة، في ظل عدم احتواء كتب هذا المنهاج على المعلومات الكاملة عن الدروس، يضاف إلى ذلك أعداد الأطفال الكبيرة في كل شعبة صفية مع وجود فوارق فردية، تؤثر على سير العملية التعليمية كلما كان عدد الأطفال أكبر.
ويضيف عاصي أنه على الرغم من ذلك لم تقف وزارة التربية مكتوفة الأيدي في مواجهة تفشي هذه الظاهرة، بل حرصت على محاربتها والتحذير من سلبياتها التربوية والتعليمية، ووفرت البدائل المجانية، كقناة الفضائية التربوية بدروسها وندواتها التعليمية، وكذلك المنصة التربوية الالكترونية التي تعد موقعاً للتواصل المباشر بين الطلاب ونخبة من المدرسين والموجهين، وتتيح المجال لتبادل المعلومات والخبرات، والإجابة عن جميع التساؤلات، وتفسح المجال للإبداع والتوسع وإثراء المناهج. وتمنى عاصي من الأهل عدم اللجوء للدروس الخصوصية لرفع عبء متابعة أطفالهم دراسياً لأن هذا واجب أخلاقي وتربوي يقع على عاتقهم دون سواهم.
التقت الثورة أون لاين الدكتورة فريال سليمان (رئيس قسم الإرشاد النفسي في كلية التربية) للحديث عن آرائها حول الانتشار الواسع للدروس الخصوصية بين أطفال المرحلة الابتدائية فكان التالي:
كثر الجدل في السنوات الأخيرة حول ظاهرة الدروس الخصوصية ومما لا شك فيه أن انعدام الثقة بين المجتمع والمؤسسة التعليمية (المدرسة) تعتبر ظاهرة سلبية، نتج عنها الدروس الخصوصية التي يمكن أن نردها إلى ثلاثة أسباب أولها المعلم الذي لا يستطيع أن يوصل المعلومة بصورة واضحة وسهلة لسبب من الأسباب، ثانياً: الطالب الذي لم يفهم جيداً المادة العلمية، ولم يحاول أن يستوعب ما حوته الحصة الصفية، ويطالب ولي أمره بالدرس الخصوصي، ثالثاً: ولي الأمر الذي لجأ إلى الخصوصي بديلاً عن متابعته لابنه بسبب انشغاله.
أي أن الدروس الخصوصية مرتبطة بنظام التعليم لأسباب عدة أهمها ارتفاع الكثافة في المدارس الحكومية، والتي قد تصل إلى ستين طالباً في الصف فلا يستطيع المدرس إعطاء المعلومات الكافية لهذا العدد، والتي ترتبط بمنهاج مرتبط بوقت زمني هو زمن الحصة الدرسية، والعامل الآخر هو الضعف الذي يعاني منه الطالب في بعض المواد، وعدم تركيزه وتشتت أفكاره، ومحدودية قدراته الذهنية، وهنا يتحمل المعلم جزءاً من هذ
ه المشكلة:
فقد يكون لطريقته في التعليم أثر في عدم إيصال المعلومات إلى التلميذ بشكل صحيح، أو أن تكون علاقته بطلابه علاقة سلبية فتؤثر في عدم تقبل الطالب المعلومات، كما أصبح بعض المعلمين المتورطين في إعطاء الدروس الخصوصية يعتمدون على هذه الدروس كمصدر دخلٍ لهم ومن مصلحتهم أن تستمر هذه الظاهرة ولا تتم السيطرة عليها.
سليمان ترى أن الدروس الخصوصية تزيد شدة الضغط على الأطفال وترهقهم بدنياً، ونفسياً، وتحرمهم من أوقات الراحة، والأنشطة المجتمعية وتجعلهم متكلين على الغير، خمولين عقلياً، وغير مبادرين لكن يبقى أهم مساوئ هذه الدروس هو هدم جانب رئيسي من جوانب العملية التعليمية التي تهتم ببناء شخصية المتعلم عكس المدرس الخصوصي الذي يلقن الطالب كيفية حل الأسئلة لتحصيل العلامة المرتفعة، دون الاهتمام بتنمية قدراته ومعارفه، وبالتالي ضعف علاقة الطالب بالمدرسة.
من جانبٍ آخر لا يمكننا أن ننكر الهدف الإيجابي لدروس الخصوصي عند أطفال الحلقة الأولى، وهو تحسين مهارات القراءة والكتابة والحساب واكتساب الثقة بالنفس والجرأة، وكذلك الأمر عندما يكون لدى الطالب صعوبات تعلم، أو احتياجات خاصة تتطلب اهتماماً فردياً من الأستاذ وأنشطة أكثر، وانتباهاً أكثر، للإجابة عن كل تساؤلاته, وهناك أيضاً الطلاب الذين يدرسون لغات جديدة لا يعرفها الأهل كالفرنسية مثلاً، هنا لا مانع من الاستعانة بأستاذ خاص يعلم الأطفال، ولكن عندما يكتسب الأطفال مهارة اللغة يفضل أن ينسحب الأستاذ ويكمل الطالب بالتعلم لوحده.
تعتبر سليمان أن القضاء على هذه الآفة الخطيرة، أو الحد منها يحتاج إلى اتخاذ إجراءات حازمة عبر أكثر من محور، منها إعادة الدور القيادي للمعلم داخل المدرسة، وزيادة رواتب المعلمين بما يتماشى مع التكلفة المعيشية، وتدريب المعلمين وتطوير مهاراتهم، لإتاحة المجال لهم للتدريس بشكلٍ أفضل، وإلزام المدارس بعمل مجموعات تقوية مجانية أو برسوم مقبولة، لرفع مهارات طلابها من خلال إجراء اختبارات قياس المهارات، وتقييم مدى استيعابهم، والوقوف على جوانب الضعف لديهم وفي ضوء نتائج تلك الاختبارات يستطيع المعلم تحديد مستويات الطلاب ووضع تصور لبرامج التقوية اللازمة لترفع مستوياتهم.
ختاماً نتمنى أن يبقى الهدف الأساسي للعملية التربوية بناء الإنسان وتكامل خبراته واكتساب المعرفة التي تؤهله للنجاح الحقيقي.