الثورة اون لاين – دمشق – جاك وهبه:
يتطلب النهوض بالتعليم المهني معالجة ثلاث فجوات ومحاور متكاملة ومتزامنة متمثلة بمعالجة الاختلالات التي كانت سائدة قبل بداية الأزمة من تلكؤ في التطویر المؤسساتي، إلى عدم مواكبة التسارع التقني، وعدم التوافق مع متطلبات السوق، مروراً بالتفاوت المناطقي، ومواجهة مفاعيل الأزمة والتي أدت إلى انكسار النموذج التنموي وأثر ذلك على التعليم المهني وخصوصاً في أرياف المدن الرئيسية مع ما رافق ذلك من هجرة ونزوح ودمار وسرقة، إضافة إلى التوجه نحو المستقبل عند اعتماد الخيارات وطبيعة التدخلات من الناحية التكنولوجية والمؤسساتية ضمن معايير الفعالية والاستدامة، وذلك بحسب التوصيات والمقترحات والتوجهات العامة التي تضمنتها ورقة العمل التي قدمها الباحث ماهر الرز خلال الحلقة النقاشية حول (التعليم المهني _ الواقع وأولويات المستقبل) التي أقامتها جمعية العلوم الاقتصادية السورية في مقرها مساء يوم الثلاثاء 19 تشرين الأول.
وبين الباحث أن الاتجاهات والتحديات الناشئة في العالم (التحول الرقمي، والحاجة الملحة للعمل المستدام، أو العدد المتزايد من المهاجرين) تتطلب تكيفات متكررة في توفير التعليم والتدريب التقني والمهني بحيث يجب أن يعكس التعليم والتدريب الحديث هذه التطورات من خلال تحديد المؤهلات والكفاءات الجديدة ودمجها في المناهج ولوائح التدريب.
وتحدث الرز عن واقع التعليم والتدريب المهني في سورية حيث لا یزال یعاني من مشكلات كثیرة تتمثل في انخفاض كفاءته الاقتصادیة على جمیع المستویات التعلیمیة والتدریبیة، وضعف مخرجاته وعدم تناسبھا مع حاجات سوق العمل ما یسبب ھدرا واسعا.
ونوه الباحث أن الأزمة التي مرت بها سورية أثرت في تفاقم الوضع وبالتالي تدمير جزء كبير من البنية التحتية للتعليم وإغلاق لعدد من المدارس، وخسارة النظام التعليمي للموظفين والطلاب والكفاءات التعليمية، وهذا ما أدى إلى توقف جزئي للعملية التربويّة وعزوف الأطفال وخصوصاً الإناث عن الالتحاق بالمدارس.
كما تم التطرق إلى واقع سوق العمل في سورية حيث أدت الأزمة السوریة التي دخلت عامها العاشر إلى ازدیاد تعمق المشاكل الاقتصادیة والاجتماعیة التي كانت تواجھھا سوریة قبل الأزمة، وذلك مع ظهور العدید من المشاكل الجدیدة التي نجمت عنھا نتیجة العقوبات أحادية الجانب والأعمال العسكرية والدمار الهائل في البنى التحتیة والمنشآت الإنتاجیة والخدمیة والمباني السكنیة والأراضي الزراعیة ونقص الكھرباء، إضافة إلى ارتفاع أعداد النازحین والمھجرین والقتلى والجرحى والمعوقین، والازدیاد الكبیر في نسبة البطالة وتراجع سبل العیش، وبالمجمل تعاني سورية حالياً من ضغوطات العرض من العمالة المتأتية من الضغوطات الديموغرافية التي أدت إلى تدفقات الشباب الكبيرة إلى قوة العمل، وهي نتيجة معدلات النمو السكاني المرتفعة، وزيادة في مشاركة القوى العاملة من الإناث عما كانت عليه، وتحسن الوضع الأمني والتطورات السياسية الحالية والتوجهات الحكومية لتشجيع عودة اللاجئين وإلى عودة العديد من العمال اللاجئين.
وبين الرز ان مرحلة التعافي وإعادة الإعمار المقبلة عليها سورية تكسب قطاع التعليم والتدريب المهني والفني أهمية إضافية، وهذا ما يدعو إلى اتخاذ قرارات حاسمة يجب أن تكون مبنية على تقييم احتياجات داعمة لهذه القرارات، منوها أن الدولة السورية عبرت عن التزامها بتطوير التعليم المهني والمهارات اللازمة لتحقيق التنافسية الاقتصادية والنمو الشامل، فعلى الرغم من الظروف الاقتصادية والسياسية والاجتماعية الصعبة فإن التعليم والتدريب المهني والتقني يحتل مكانة بارزة في الأجندات الوطنية، والتي تعتبر هذا النوع من التعليم محركاً أساسياً لتحسين فرص العمل وزيادة التنافسية، وهو ما انعكس تقدما في عدة مجالات رئيسية، ويمكن تلخيصها بزيادة الوعي حول أهمية إصلاح التعليم والتدريب المهني والتقني وتطبيق هذه الإصلاحات، وتمثلت المشكلة في بطء التنفيذ، كما وضعت في سورية برامج ومبادرات عدة لمواجهة المشاكل التي تواجه التعليم المهني، مثل تطبيق تجربة التعليم المزدوج، وإحداث مرصد سوق العمل، لكن تلك المبادرات لم تلق المتابعة الكافية لتطبيقها، وفتح المسارات التعليمية لطلاب الثانويات المهنية من خلال إحداث الكليات التطبيقية وفتح المجال لنسب معينة من الخريجين بالالتحاق بالمعاهد التقنية والكليات الاكاديمية، رغم أن ذلك أحدث كثيرا من اللغط والانحراف عن الهدف الأساسي لإنشاء الثانويات المهنية، كما تمت إضافة عدد من المهن وتعديل عدد من المناهج المهنية والاثرائية لتتناسب مع الأفكار الحديثة فيما يتعلق بالتعليم المهني، ولكن افتقرت إلى التنسيق مع الشركاء والفاعلين الاساسيين المعنيين، إضافة لزيادة عدد المدارس المهنية وتزويدها بالتجهيزات والمخابر والمستلزمات، وإن لم يكن توزيع المدارس مدروسا مكانياً وفق احتياجات التنمية، إضافةً أن التجهيزات والمخابرلم تتوافق دائماً مع احتياجات المهن في سوق العمل.
وأشار الباحث أنه وبالرغم من هذا النهج الإصلاحي الطموح إلا أن المشكلة الحقيقية كانت في التطبيق العملي سواءً من حيث آليات التنفيذ أو سرعة الإنجاز، لذا لايزال الاصلاح بطيئاً.