الثورة أون لاين_ فاتن أحمد دعبول:
ربما علاقة الرواية بالفنون الأخرى باتت حقيقة ولا تحتاج إلى كثير جدل، فالرواية منذ أن أعلنت عن نفسها جنسا أدبيا بما تملك من سمات ومقومات السرد، أصبحت عالميا ملحمة العصر الحديث، وبتوصيف حضورها العربي” ديوان العرب المعاصر” وتشترك مع الفنون الأخرى بأواصر تربطها مع الشعر والفن التشكيلي والموسيقا والعديد من الفنون، وهذا ما أوضحه المشاركون في ندوة” التواصل بين الرواية والفنون” على هامش معرض الكتاب السوري في مكتبة الأسد الوطنية.
حسن م يوسف: فضاء أرحب
يرى الأديب حسن م يوسف أنه يتوجب على قارىء العمل الأدبي أن يتخيل كل شيء يأتي الكاتب على ذكره في نصه من الألف إلى الياء، فعندما يذكر الكاتب بيت الجدة، غالبا ما يتخيل القارىء جدته وبيت جدته، وقد يشم روائح ذلك المكان ويستحضر تفاصيله، وهذا يخلق حالة من الارتباط العاطفي والشخصي بين القارىء والنص الأدبي، ما يجعل تجربة كل قارىء للعمل الأدبي فريدة مثله، ولهذا يقال إن الشخصية الواحدة في الأدب تحتمل مليون هيئة وهيئة.
ويضيف: في تجربة المشاهدة السينمائية يختلف الوضع كليا عن تجربة القراءة، فالصورة المرئية لا تعطي المشاهد فرصة المساهمة في إعادة تكوين ما يراه، بل تقدم له هيئة واحدة للشخصية الواحدة، تمثل وجهة نظر كاتب السيناريو والمخرج والممثل ومصمم الأزياء، ولكن من يدرك الفرق بين طبيعة القراءة والمشاهدة، يجد أن تحويل العمل الأدبي إلى عمل مرئي يثريه فعلا ويطلقه إلى فضاء أرحب وجمهور أعرض، فالعمل الدرامي يخرج المادة الأدبية من نرجسية صاحبها، ويجعلها مادة قابلة للتأويل وتعدد القراءات، وهذا كان موقف المبدع الكبير حنا مينة، وخصوصا في رواية” نهاية رجل شجاع”.
ويخلص بدوره إلى أنه منذ مطلع القرن الماضي تولدت علاقة عضوية بين فن السينما والأدب القصصي، فتأثر السرد الأدبي بتقنيات السينما، وتأثرت السينما بفن الكلمة، حتى بات يطلق على الفيلم” فيلم روائي طويل”.
د. مانيا سويد: غنى المحتوى أولاً
توقفت د. مانيا سويد في مداخلتها عند أفكار هامة كانت طرحتها في كتابها” سينما وأدب في مئة عام” وخصوصا أنها استطاعت أن تلعب دورين معا، دور القارىء الذي يفتش فعثرت على جواهر نفيسة أدغمها الأديب بمهارة وبراعة، ودو المشاهد الذي يمعن، فأدركت رسائل واراها السينمائيون بحرفية وإتقان.
وكان شاهدها فيلم” خزانة الألم” التي تدور أحداثه حول دخول القوات الأميركية إلى العراق، والأحداث التي وقعت لمجموعة من الجنود الأمريكيين الذين ذهبوا لإنجاز مهمة إزالة الألغام التي خلفتها الحرب الأميركية على العراق.
فالفيلم يحمل طابعا صحافيا رصديا يقف خلفه صحافي يرصد حالة واقعية ويدونها ثم يقدمها إلى المخرجة كي تعيد تمثيلها أمام الكاميرات بالتزامن مع إظهار الجانب النفسي الانفعالي.
وهذا ما يؤكد العلاقة الحميمة التي تربط الرواية بالفن السينمائي، وكذا الأمر في رواية البؤساء، وهو الأول الذي يعالج الرواية الأشهر للأديب والشاعر الفرنسي فيكتور هوغو سينمائيا، وهي رواية لم يمل المخرجون من إعادة تقديمها للسينما والمسرح والدراما التلفزيونية، كل حسب رؤيته، ويسقطونها على واقعهم، فيجدون فيها تعبيرا صادقا عن كل قضايا الساعة.
سعد القاسم: الأدب ملهم للفن
وتحت عنوان تحرير اللوحة من سطوة الرواية عليها، بين الناقد التشكيلي سعد القاسم أن المدرسة الانطباعية كانت تعتبر الفن التشكيلي هو فن بصري قائم بذاته يتعامل مع المشاعر وإحساس العين، وهذا التوجه استمر حتى القرن الحالي، لكن مع ذلك لا يمكن لهذا التوجه الذي عمره مئة سنة أن يلغي علاقة عمرها أربعة آلاف سنة بين الرواية والكلمة والفن التشكيلي، والتي بدأت قبل أن تخترع الكلمة، كان فنانو الكهوف يوثقون رواية، كان الإنسان يوثق عبر الرسم الأحداث التي كانت تجري معه بصور من مشاهداته في الواقع، كحكاية” الصياد والثور” .
ولطالما كان الأدب ملهما للفن التشكيلي في الحضارات الإنسانية، فملحمة جلجامش تمثلت في كثير من فنون النحت الآشوري والبابلي وحتى الفن العراقي الحديث المعاصر، فقد تمثلت الكثير من الأساطير على جدران المعابد والمقابر” الإلياذة والأوديسة” واستمرت حتى نهاية القرن التاسع عش، وكانت دائما موجودة مع كل تحولات الفن التشكيلي من الكلاسيكية والرومانسية، كانت الأساطير موجودة، وأيضا الفن المسيحي وحكايات السيد المسيح.
وبدوره طرح سؤالا هل الفن العربي كان موجودا؟
فالشائع لدى الجميع أنه لا يوجد تصوير في الإسلام لأنه محرم، والسبب في رسوخ هذه الفكرة موقف الأصوليين، والسبب الآخر هو موقف بعض المستشرقين كرسوا هذه الفكرة، وأن هذه الشعوب متخلفة، رغم أن الفن الإسلامي كان موجودا في المخطوطات، ولكن للأسف ما قام به هولاكو من حرق ما يقارب المئتي ألف مخطوطة، وتكرر الأمر نفسه في بغداد، وقسم منها تسرب إلى الغرب، و كانت المخطوطات على نوعين:
علمية ترافقها صور توضيحية، وأدبية ترافقها رسوم تعبيرية.
العلاقة بين الفن والكلمة والأدب تلخصها مقولتان لشخصيتين متباينتين، الأولى لمحمد عبده يقول” الرسم ضرب من الشعر، يرى ولا يسمع، والشعر ضرب من الرسم يقرأ ولا يرى” هذا النص يناسب ما قاله ليوناردو دافنشي عن العلاقة بين الأدب والفن، ويبقى الأدب ملهما للفن وقادرا على التأثير فيه دائما.
ولابد أن نصل عبر هذه الحقائق أن الفن متأصل في حضارتنا، وعلينا أن نعيد له الألق والحضور الذي يليق به، وعلى المؤسسات المعنية أن تؤكد على حضوره في المؤسسات التعليمية وتكون لها استراتيجيتها الوطنية لاستثمار الفن في تجميل البلاد وفي هندسة البناء بعيدا عن ذاك التشويه البصري الذي نصادفه في غير مكان من بلدنا.