الثورة أون لاين – حسين صقر:
لا تخلو أي مدرسة أو حي من أطفال وربما يافعين يتصرفون بعدوانية واضحة تجاه الآخرين، وبالتأكيد لا يمضي يوم إلا وترافق ذلك اليافع أو الطفل شكوى من بعض الأهالي أن أحد أبنائهم تعرض للتعنيف الجسدي والمعنوي من أولئك الذين يتصرفون بعدوانية تجاه الآخرين.
في الواقع تلك التصرفات، لا تعكس بالضرورة التربية المنزلية، لأنه لا يوجد رب أو ربة منزل يقول لولده: اذهب واعتد على أحد، وكن قاسياً، ربما يقول بعضهم: إذا حاول أحدهم الاعتداء عليك دافع عن نفسك، لكن بالتأكيد لن يقولوا: مارس التسلط والتنمر على أقرانك.
تلك هي الحكاية ببساطة، لكن لو بحثنا بالأسباب والدوافع التي تجعل هذا الطفل أو اليافع يعتديان، نجد أن ثمة عوامل ضمن الأسرة تدفع لذلك، كأن يكون الزوج والزوجة على خلاف دائم فيما بينهم، وتتعالى أصواتهم دائماً أمام الأولاد، وقد يصل الأمر أن يرفع الرجل يده على زوجته، فيتحول جو المنزل إلى محيط من التوتر والخوف والرعب، يلجأ الطفل على أثرها للتفكير بعدوانية نحو من يكون بينهم سواء في المدرسة أم الطريق، أو حتى حافلة النقل العام أو الخاص، وهناك أيضاً أسباب أخرى هي محاولة تقليد الآخرين ولا سيما في أفلام العنف وبعض الأشخاص الذين كبروا على معاداة الآخرين، بالإضافة لذلك، تلعب الغيرة وانعدام الثقة بالنفس ومشاعر التوتر والضيق، والحرمان والقمع، ولفت انتباه الآخرين ولا سيما الجنس الآخر، وكذلك الإحباط وتغير الملامح وربما طول أو قصر القامة دوراً في ذلك، كأن يقوم قصير القامة بمحاولة التعويض عن النقص الحاصل بطوله بالعدوانية، أو يقوم الأطول بمحاولة السيطرة على أقرانه، وعندما لا يمتثلون لما يقول، تتشكل عنده ردّات فعل عنيفة، ما يؤكد أن السلوك العدواني قد يحمل أشكالاً أُخرى من ردات الفعل التي قد لا تظهر بشكل مباشر يمكن ملاحظته، لأن العدوان كشعور يكون واحداً، لكن الفعل الناتج عنه يكون متعدداً في أشكاله وفي أساليب التعبير عنه وبالتالي تعدد في مظاهره وسلوكياته، لأنه هو استجابة سلوكية انفعالية، ناتجة عن انخفاض في مستوى التفكير والبصيرة، وغالباً ما يتبع بعض أشخاص السلوك العدواني، وعندما يعانون ضغوطاً جسدية أو معنوية فيلجؤون لتأكيد الذات من خلال ممارسة العنف أو الإكراه ضد الآخرين، تحمل في ثناياها الإِيذاء.
علماء النفس يميزون بين السلوك العدواني ويصنفونه بين عدوان مباشر وغير مباشر، ومؤقت ودائم، ويكون أحياناً فردياً، وفي أوقات أخرى جماعياً، ويؤكدون أنه مهما كان شكله وتصنيفه فعواقبه سوف تنعكس سلباً على صاحبه، وقد تبدأ بتأنيب الأهل، وتطور للاشتباك والمشاجرة معهم، ثم تنتهي بالدعاوي والشكاوى والسجن والغرامات، فضلاً عن السمعة السيئة التي سوف ترافق ذلك الطفل أو اليافع العدواني.
فكل أنواع العدوان والسلوكيات المرتبطة به خطيرة، لكن الأخطر العدوان على الذات كإحداث الجروح من خلال الآلات الحادة، أو ضرب الراس في الحائط والتي قد تتطور أيضاً إلى محاولات الانتحار.
والسلوك العدواني بالتأكيد سوف يترك أيضاً أبلغ الأثر على التحصيل الدراسي، وسوء العلاقات وانعدام الاندماج الاجتماعي مع الآخرين والعناد وافتعال الغضب الدائم.
هذه المشكلة بالتأكيد لا بد من معالجتها والبحث عن حلول لإيجاد طريقة يتعامل بها الأهل مع ابنهم صاحب ذلك السلوك، حيث يتوجب أن يعرفوا من البداية أن عدوان هؤلاء هو شعور وسلوك طبيعي، ضروري ولا يحتاج لقلق ما دام ضِمن حدوده الطبيعيّة، لكن بذات الوقت لا يجوز مسايرة المعتدي عند قيامه بذاك السلوك إلى حد الامتثال والاستسلام لرغباته في كلِّ مرة يستخدم فيها هذا الأسلوب، حتى لا يتصرَّف بانتهازيّة ويعيد تِكراره كل ما وقف حاجز أمام رغباته، كما لا يمكن استخدام أسلوب القمع والكبت بشكل دائم مع مشاعره الغاضِبة، فهذا يؤدي إلى شعوره بالضّعف وفقدان ثقته بنفسه وقدرته على التأثير بمُحيطه، لأنه في بعض الأحيان يكون وقت الفراغ والزيادة في الطاقات والشحنات الانفعاليّة الزائدة، سبباً وراء تلك السلوكيّات الغاضبة والعدوانية، وهنا يجب تعبئة الوقت وتفريغ الطاقات ببعض الأُمور المفيدة والمحببة لديه، كما أنه لا ضرر في أن يتحمل ذلك الطفل جزءاً من المسؤولية عن نفسه وعن تصرفاته، ويترك لمصيره مع مراقبته من بعيد، ثم نصحه وإرشاده بعد العقوبة التي يتلقاها، عبر سوق قصص وحكايات له عن مشكلات من هذا النوع وكيف خلفت عواقب كارثية.
بالإضافة لذلك تعليم هذا الطفل مهارات التفكير وحل المشكلات والعقبات، بطريقة سليمة ومضمُونة وبعيدة عن الأساليب العدوانيّة.