الثورة – غصون سليمان:
مظاهر اجتماعية لا تسر الخاطر، باتت عبئاً على النفس والأسرة والمجتمع، بعدما تفشت حالات الفوضى في ظروف الحرب ومخلفاتها الكارثية على جميع المستويات، ما دفع بالعلاقات الاجتماعية إلى التشظي بين مكونات الشعب السوري، والغوص في سلبيات الواقع مروراً بالانحرافات التي لا تحمد عقباها لناحية السلوك والنظرة السلبية عند البعض تجاه الآخر.
فقد غاب عن المشهد المألوف حالة الاحترام وتقدير الناس، والتماس أعذار بعضها البعض، لتطفو على سطح العلاقات حالات الازدراء والتخوف وانعدام الثقة في جوانب عديدة نلحظها كل يوم.
للأسف بات الواقع المعاش ضبابياً، بل سوداوياً إلى حد كبير، وهذا التوصيف ليس من باب التهويل وإنما للفت الانتباه إلى خطورة تراجع الدور التربوي للأسرة بالدرجة الأولى، ومن ثم المدرسة ومؤسسات المجتمع، وجميع منابر الخطابة والرعاية والتثقيف.
مفاهيم مبعثرة
لم يعد هناك خطاب جامع للخير والمحبة، كما يجب أن يكون إلا في حدود ضيقة، ولم يعد هناك أدنى حرج في إبداء قلة التهذيب والسلوك السوي عند الأبناء اليافعين والمراهقين والطلاب بمختلف مراحلهم وحتى الصغار والكبار، أن يتمردوا على القيم والعادات والتقاليد الحميدة.
إذ لم يعد يعني الكثير منهم، على سبيل المثال لا الحصر، حرمة الجيران وعدم الإساءة إليهم، أو العبث بالممتلكات والمرافق العامة وسرقة ما يستطيعون خلسة، وكذلك نكث العهود وسوء الأمانة مع الأصدقاء وبين الأقرباء، ولم يعد التذوق بحسن الألفاظ وطيب الكلام مرغوباً مع انتشار عدوى السباب والشتائم والنعوت السفيهة، والتنمر، واختلاق المشكلات والمشاكسات، والبحث عن ألوان الأذى، وكأنها هواية تشي لمؤشر تراجع خطير لعشرة المجتمع وانحطاط الأخلاق العامة.
مجرد نصيحة
وإذا ما وجهت ملاحظة ما ليافع أو شاب يقوم بسلوك خاطئ، مثل تكسير حائط أو أغصان شجرة، ورمي أكياس القمامة كيفما شاء بعيداً عن المكان المحدد لها، أو ضرب أبواب المنازل والنوافذ بالحجارة والاعتداء على المارة خاصة الأطفال الصغار، مجرد أن تقول لهذا الشخص وذاك لا يجوز هذا الفعل، إنه مؤذ لك ولغيرك، سرعان ما تصبح عدواً له لطالما جرحت النصيحة مشاعره السلبية وإحساسه البعيد عن المسؤولية.. هي أمثال بسيطة لأشياء أكبر منها تحدث كل يوم في زوايا مختلفة من أرض الوطن.
ما تقدم هو نتاج ما حل ببلدنا من آثار الحرب وويلاتها والتي خربت النفوس والعقول بالفقر والعوز والحاجة وقله الحيلة والتهجير والتشريد وغياب المحاسبة والقانون.. لتأتي قلة الانضباط حالة شبه طبيعة فرضت نفسها في بيئات وتجمعات مختلفة، وإن كانت مرفوضة كل الرفض لأن لا شيء يعلو على الأخلاق واحترام الآخر.. هذه مسؤولية الأسرة والمدرسة والنخب المؤثرة في قيم المجتمع.. وما يجمعنا أكثر مما يفرقنا.