الثورة – غصون سليمان:
اعتدنا أن يقدم الشعب السوري ضيافته على طبق من محبة ومودة، فقد كانت الموائد عامرة حد التخمة، إلا أنها تقلصت إلى حدودها الدنيا نتيجة الظروف والمتغيرات الصعبة وضاقت فيها النفوس والجيوب، ولم يبق لغالبية الناس على اختلاف مشاربهم سوى فتات من القهر والظلم والضيق، وطعم أمر من العلقم.
إلا أن إحساس الناس ببعضهم البعض، في توادهم وتراحمهم وجبر خواطرهم، كسر حواجز غربة النفس والمكان والشعور الناقص بالخوف والقلق.. هي عادات وتقاليد متأصلة في ضمير شعبنا ضمن بنود التكافل الاجتماعي، وإن كانت في حدها الأدنى سارية المفعول ولم تنقطع.
في عيد الأضحى المبارك لهذا العام والذي اختلف كلياً عن غيره من السنوات، غدت المبادرات الفردية ناهيك عن المجتمعية أكثر حضوراً، حيث لحظنا الكم الهائل من دعوة الأفراد إلى تقديم خدماتهم مجاناً إلى أبناء محيطهم الجغرافي، كأن يعلن أحدهم على سبيل المثال لا الحصر في إحدى قرى ريف مصياف، عن تقديم وجبات من محصول الذرة الخضراء” العرانيس المسلوقة لأطفال القرية طيلة نهار أول أيام العيد مجاناً، وشاب آخر أعلن عن تبرعه بقص وحلاقة الشعر لأبناء القرية مجاناً أيضاً بمناسبة العيد.
فيما آخرون من ميسوري الحال قاموا بتسديد الديون المترتبة على الناس في الدكاكين والصيدليات والمحال الأخرى، كما قام بعض أصحاب المطاعم والمحال بإيصال وجبات الطعام مجاناً إلى الفقراء والمحتاجين ومن ليس له معيل، ومن كان لديه أي فائض من رزق المزروعات من خضار وفاكهة وغيرها لم يقصر في توزيعها.
ومن المواقف اللطيفة أيضاً إعلان طبيب القرية عن تقديم المعالجة المجانية والدواء طيلة أيام العيد دعماً للصحة والعافية كمحفز معنوي بعيداً عن التعب.
ومع اقتراب موعد امتحانات الشهادات العامة، وبغية تخفيف العبء المادي عن كاهل الأهالي، أعلن عدد من أصحاب السرافيس ضمن القرية عن رغبتهم بالنقل المجاني للأبناء الطلبة من وإلى مراكز الامتحانات بالمدينة ذهاباً واياباً.
ولعل الأهم من كل ذلك هو تخفيض أسعار المفرق بالمحال إلى سعر الجملة بما يناسب القدرة الشرائية في حدها الأدنى.
ما تقدم هي مجرد صور بسيطة في ظاهرها لكنها عميقة الأثر من حيث شعور الناس ببعضها البعض خاصة في الظروف الصعبة، ليغدو مفهوم التعاضد والتكافل الاجتماعي في الأحياء والقرى والبلدات على امتداد ريفنا الجميل حالة اجتماعية إنسانية أخلاقية، تؤكد أن الخير يعم ويطوف بين أهله وناسه حين تصفو النفوس وتتسامى بالمحبة والتسامح.
كل عام وسوريا الوطن الأجمل بألف خير..