أحمد نور الرسلان – كاتب صحفي:
في مثل هذا اليوم من عام 2011، بدأت ملامح جديدة ترتسم على وجه سوريا، مع إعلان المقدم حسين الهرموش، ابن بلدة إبلين في جبل الزاوية، انشقاقه عن الجيش السوري، معلناً انحيازه إلى صفوف أبناء شعبه، ومطلقاً عبارته الشهيرة: “وهذه هويتي”، التي سرعان ما تحولت إلى شعار يتردد على ألسنة الضباط الأحرار في مختلف أنحاء البلاد.
لم يكن انشقاق الهرموش حدثاً عادياً في مسار الثورة السورية، بل شكل محطة مفصلية زعزعت سردية النظام عن “وحدة الجيش وصلابته”، تلك المؤسسة التي لطالما صوّرها الإعلام الرسمي كقوة منيعة لا يمكن أن تتأثر بالحراك الشعبي أو تنشق عنها قياداتها.
لقد أحدث انشقاق الهرموش صدمة حقيقية داخل أروقة النظام، دفعته إلى اتخاذ تدابير طائفية علنية في محاولة لاحتواء التداعيات، لا سيما بعد أن فتحت هذه الخطوة الباب أمام سلسلة من الانشقاقات العسكرية على مستوى الأفراد والكتائب والوحدات، شملت السلاح والعتاد، وأعادت رسم خريطة ولاءات داخل المؤسسة العسكرية.
أهمية هذه اللحظة لا تكمن فقط في رمزية الانشقاق، بل أيضاً في ما كشفته من هشاشة بنية الجيش العقائدية، الذي أنفقت عليه الدولة لعقود ما يزيد عن 80% من ميزانياتها، في سبيل بناء منظومة أمنية موالية للنظام، لا تقبل التشكيك أو الانفكاك.
انضمام الهرموش إلى الثورة لم يكن فقط بداية لانشقاقات نوعية، بل جسّد انكساراً في ذهنية رُوّج لها طويلاً، بأن “الجيش العربي السوري” محصّن ضد أي تأثير داخلي. ومن هنا، أصبح اسم حسين الهرموش، حتى بعد غيابه القسري، حاضراً في الذاكرة الوطنية كواحد من أوائل العسكريين الذين كسروا حاجز الصمت واصطفوا إلى جانب شعبهم.
في التاسع من حزيران عام 2011، شهدت الثورة السورية إحدى أبرز لحظاتها الفارقة بانشقاق المقدم حسين الهرموش عن صفوف الجيش التابع لنظام بشار الأسد، ليؤسس بعدها “لواء الضباط الأحرار”، أول تشكيل عسكري مناهض للنظام، انبثق منه لاحقاً “الجيش السوري الحر”.
ولد الهرموش في قرية إبلين بجبل الزاوية في محافظة إدلب، وتلقى تعليمه العسكري العالي في روسيا الاتحادية بين عامي 1990 و1996، حيث تخرج من الأكاديمية العسكرية الهندسية العليا في موسكو بمعدل ممتاز، حاصلاً على “الدبلوم الأحمر” في الهندسة، إلى جانب دبلوم في الترجمة بين الروسية والعربية. وقدّم خلال دراسته بحثاً علمياً حول “السماكات الواقية للمنشآت النفقية في سوريا في حال التعرض للأسلحة التقليدية وغير التقليدية”، مستخدماً برامج هندسية متقدمة بلغة البرمجة “باسكال”.
مع انطلاق الاحتجاجات الشعبية ضد النظام في ربيع 2011، تنقل الهرموش بين عدد من المناطق الساخنة، منها سقبا وجسر الشغور، حيث شهد عن قرب حجم الانتهاكات المرتكبة بحق المدنيين. وفي التاسع من حزيران أعلن انشقاقه بشكل رسمي احتجاجاً على “قتل المدنيين العزّل”، وأطلق نداءً موجهاً لرفاقه العسكريين للالتحاق بـ”لواء الضباط الأحرار”، الذي أسسه لحماية المتظاهرين والدفاع عنهم.
أحدث انشقاقه صدمة كبيرة للنظام الذي كان يروّج لصورة “الجيش الموحد الذي لا يتأثر بالشارع”، كما مهّد لانشقاقات أخرى طالت ضباطاً وعناصر، وتحوّلت إلى نواة العمل العسكري المنظم في وجه النظام.
انتقل الهرموش إلى تركيا حيث واصل قيادة اللواء، لكن في 29 آب 2011 اختفى بشكل مفاجئ في ظروف غامضة. وبعد أيام، ظهر على شاشة التلفزيون الرسمي السوري، في مشهد وصفه ناشطون بأنه انتُزع تحت الإكراه، ومنذ ذلك الوقت لا يزال مصيره مجهولاً.
يُعد حسين الهرموش شخصية رمزية بارزة في مسار الثورة السورية، إذ مثّل انشقاقه بداية التحول من الحراك السلمي إلى الكفاح المسلح، وكرّس بروحه ومبادرته ثقة السوريين بإمكانية تفكيك جدار الصمت داخل المؤسسة العسكرية. ولا يزال اسمه محفوراً في ذاكرة السوريين كأول الضباط الأحرار الذين رفضوا الانصياع لأوامر القتل وفضّلوا الوقوف إلى جانب شعبهم.