الثورة :
وقّعت المملكة العربية السعودية والجمهورية العربية السورية، مذكرة تفاهم تمنح بموجبها الرياض دمشق مليوناً و650 ألف برميل من النفط الخام، في خطوة تأتي لتعزيز التعاون بين البلدين في قطاع الطاقة.
ذكرت وزارة الطاقة السورية أنها وقعت بمقرها في دمشق مذكرة التفاهم مع الصندوق السعودي للتنمية تتضمن تقديم منحة لتزويد سوريا بمليون و650 ألف برميل من النفط الخام، في حين أعلنت السعودية تقديم مساعدات نفطية لسوريا قدرها 1.65 مليون برميل من النفط الخام عبر الصندوق السعودي للتنمية بهدف دعم الاقتصاد السوري الذي دمرته 14 عاماً من الحرب.
ولم يكن إعلان السعودية عن تقديم 1.65 مليون برميل نفط خام لسوريا عبر الصندوق السعودي للتنمية مجرد إجراء اقتصادي أو منحة إنسانية، بل يحمل في طياته دلالات سياسية واستراتيجية واسعة، فهذه الخطوة جاءت في وقت يعاني فيه قطاع الطاقة السوري من شلل شبه كامل، وفي مرحلة تسعى فيها دمشق إلى إعادة بناء اقتصادها وعلاقاتها الإقليمية بعد أكثر من عقد من الحرب.
تأتي المنحة في وقت حرج يعاني فيه قطاع الطاقة السوري من نقص في الوقود وصعوبة في تشغيل المصافي، ما انعكس سلباً على الكهرباء والنقل والصناعة، وبتوفير هذا الحجم من النفط الخام (1.65 مليون برميل)، تسهم السعودية في تخفيف الضغط عن هذا القطاع الحيوي، وتساعد على تشغيل مصفاة بانياس وتزويد محطات الوقود بالمشتقات النفطية الناتجة، الأمر الذي يمكن أن يخفف جزءاً من الأعباء المعيشية على السوريين.
تعكس هذه الاتفاقية تحوّلاً نوعياً في سياسة الرياض تجاه دمشق، فبعد سنوات طويلة من القطيعة والتوتر أصبحت المملكة الآن تقدم دعماً ملموساً للاقتصاد السوري، كما أن هذه الخطوة تحمل رسالة واضحة بأن السعودية تسعى لأن تكون طرفاً أساسياً في إعادة دمج سوريا في محيطها العربي، وأنها مستعدة للعب دور “الشريك الأكبر” في عملية إعادة الإعمار والإنعاش الاقتصادي.
توقيع مذكرة التفاهم مع الصندوق السعودي للتنمية لا يمكن عزله عن سياق التعاون المتنامي بين البلدين؛ ففي الأشهر الماضية شهدت دمشق توقيع اتفاقيات متعددة مع شركات سعودية في مجالات النفط والكهرباء، وإطلاق أول منتدى للاستثمار بين سوريا والسعودية بحزمة مشاريع تجاوزت قيمتها 6 مليارات دولار. هذا التراكم يعكس رغبة المملكة في تعزيز حضورها الاقتصادي في سوريا والمشاركة في مشاريع إعادة البناء الكبرى.
إلى جانب أثرها المباشر على قطاع الطاقة، يمكن للمنحة النفطية أن تخلق حوافز إضافية للاستثمار السعودي والخليجي في سوريا، بما يفتح الباب أمام مشاريع جديدة في البنية التحتية والخدمات، ويعزز من فرص النمو للقطاعات الحيوية، كما أن استدامة تشغيل المصافي وتحسين التزود بالمحروقات يمكن أن يساعد في تحريك عجلة الإنتاج المحلي، وبالتالي التخفيف من الضغوط التضخمية وتعزيز الاستقرار الاجتماعي.
من الناحية الاستراتيجية، تمثل هذه المنحة النفطية السعودية بداية مرحلة جديدة في العلاقات السورية–السعودية، حيث يتجاوز التعاون الإطار الدبلوماسي ليصل إلى دعم مباشر لاقتصاد أنهكته الحرب، ومن شأن هذا التحول أن يرسخ دور المملكة كلاعب محوري في إعادة صياغة المشهد الاقتصادي والسياسي لسوريا ما بعد الحرب، وأن يوفر لدمشق منفذاً مهماً لتنويع شراكاتها بعيداً عن الارتهان لمصدر واحد للطاقة أو التمويل.