الملحق الثقافي:ميثاء محمود:
في كتابه «ما الذي أؤمن به؟!».. يرى المؤرّخ والفيلسوف البريطاني «برتراند راسل» أن علينا أن ننظر إلى هذا العالم بحقائقه، وسواء السيئة والقبيحة، أم حتى الجميلة، وأن ندخله بالعقل، وليس بالعبوديّة للمخاوف التي تأتي منه.. أيضاً، أن نجتهد فيه لتقديم ما نستطيعه، وإن لم يكن بالجودة التي نتمنّاها، فليكن بأفضلِ مما يفعله الآخرون ..
رأى ذلك، وبأنه يُفترض بنا أن نعرف «ما الذي يحتاجه هذا العالم». قائلاً عن ذلك: «لا يحتاج العالم سوى إلى المعرفة، اللطف، الشجاعة.. لا يحتاج إلى توقٍ نادمٍ إلى الماضي، أو إلى تقييدِ العقل الحرّ بكلماتٍ أُطلقت منذ عصورٍ سحيقة، من قِبلِ جَهَله.. يحتاج إلى إطلالةٍ شجاعة وعقلٍ حرٍّ، وأمل بالمستقبل، دون النظر إلى ماضٍ ميت، نثق أننا سنتجاوزه في مستقبلٍ يخلقهُ ذكاؤنا..».
إن رؤيته هذه، لم تأتِ من فراغ، بل بسبب الظلام والوحشيّة والبؤس، وسوى ذلك مما وجده يسيطر على العالم الحديث، وعلى الإنسان الذي دلّه على السلاح الذي يواجه به كلّ هذا، ولكن بعد أن يقتل «التنّين» الذي يجثمُ في عقله فيعيق تفكيره ووعيه.
إنه ما توصّل إليه، في عالمٍ وجده ضيّقاً رغم اتّساعه، وخالٍ من الهدفِ والمعنى رغم آفاقه.. غير عاقل، رغم ما وُهب الإنسان فيه من علمٍ، هو ما يحتاجه للدخول إلى هذا العالم، ومواجهة الأحقاد والمعتقدات والضغائن التي فيه.
نعم، العلم هو ما يحتاجه الإنسان في «عالم غريب ولا إنساني وهمجي.. غير حرٍّ، ومُستلب من قوى عديدة، تؤثّر به وتتحكّم في حياته».. عالمٌ وصفه «راسل» بعد أن وجد الإنسان فيه «يسجد طواعية لأوثانه، دون أن يسأل إن كانت تستحقّ العبادة:
«مثيرٌ للشفقة والرعب، هذا التاريخ الطويل من الوحشيّة والتعذيب.. من الإهانة والتضحية البشريّة.. هذا التاريخ الذي احتمله البشر، إرضاءً لأوثانِ أفكارهم المتعطشة للدماء»..
يصف «راسل» تاريخ العالم بهذا، ثم يطالب الإنسان أن يسأل سؤاله: «لِم لا يمجّد الإنسان القيم والأخلاق، بدل تمجيده للأوثان التي تقيّده، دون أن تحرّره من قوى الاستبداد اللا إنسانيّة؟.. ولماذا يعبد القوّة لا الخير، فلا يرضي ضميره، بل القوى الشريرة التي تقتله؟..
ربما تكمن الإجابة في قوله: «الرجال يخشون الفكرة، كما لم يخشوا أي شيءٍ على وجه الأرض. يخشونها أكثر من الخراب، أكثر حتى من الموت.. الفكرة هي جارفة وثورية، مدمرة ورهيبة، لا ترحم أي امتياز، أي مؤسسات قائمة، أي عادات مُريحة، الفكرة فوضوية ومتمردة، تتطلع إلى حفرة من الجحيم ولا تخشاها، عظيمة وخاطفة وحرّة. إنها ضوء العالم، والمجد الرئيسيّ للإنسان».
التاريخ: الثلاثاء23-11-2021
رقم العدد :1073