وإذا غنت فيروز.. أنا صوتي منك يا بردى

الملحق الثقافي:سلام الفاضل

تعددت الألقاب، وتنوّعت المسميات التي وسمت صوت السيدة فيروز، فبعضم قال بأنها سفيرتنا إلى النجوم، وآخرون رؤوا بأنها صوت فريد من نوعه لن يُكتب للبشرية أن تأتي بمثله إلا كل مدة غير قصيرة من الزمن، هذا إن حالفنا الحظ وجيء بشبيهه؛ حتى إن موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب حين سئل في أحد لقاءاته التلفزيونية عن أفضل مطربة عربية قال: بالطبع أم كلثوم، وعندما سئل أيضًا عن أقرب صوت إلى قلبه، وقلب الناس قال: أم كلثوم. بيد أنه حين سئل في اللقاء ذاته: وماذا عن فيروز ؟ رد بديبلوماسيته المعهودة: «لا أنت هنا بتسألني عن البشر، إنما فيروز من الملايكة، دي في حتة تانية». إجماع كبير، لا ينكره أحد، حظيت به السيدة فيروز، وصوتها، وأغنياتها. فهي صديقة صباحاتنا، ووليفة أمسياتنا، إن جاءت الأعياد ترنمنا على أنشودتها (ليلة عيد)، وإن اكتسحنا الحنين سمعنا (بعدك على بالي)، وعند الفرح بحلول أي فصل أو رحيله لم ننس (ورقه الأصفر شهر أيلول)، و(رجعت الشتوية)، والأحبة كذلك يُعلون صوت المذياع ليصدح بأغان من مثل (لا تسألوني)، و(بحبك ما بعرف)، و(خدني يا حبيبي)، وغيرها من الأغنيات وهم يختبرون أطوار العشق، ويخامرون ظنونه، ويتجرعون آلامه. كثيرة إذاً هي الحالات التي رافقنا فيها الصوت الملائكي للسيدة فيروز، حتى بات هذا الصوت جزءاً لا يتجزأ من ذاكرتنا؛ هذه الذاكرة الجمعية العامة؛ فإن سئل أيٌّ كان عن السيدة فيروز، وصوتها، نضحت عن ذاكرته كلمات، وأوصاف قد لا يدرك هو ذاته أنها مكنوزة هناك في لاوعيه، وأنها كانت فقط تنتظر الفرصة السانحة لها لتزهر. وهذا ما كان حين احتفل العالم العربي، والعالم الموسيقي في العالم بميلاد السيدة فيروز الذي يصادف يوم ٢١ تشرين الثاني من كل عام، حيث تبث المحطات الإذاعية، والتلفزيونية
أغنيات ومسرحيات السيدة فيروز على مدار اليوم، وتعجّ وسائل التواصل الاجتماعي ببطاقات معايدة وجّهها أناس ينتمون إلى أجيال مختلفة إليها وقد ضمّنوها أرق العبارات، والأمنيات؛ كيف لا وهي صديقة الأجيال، وصوتها أنيس أعمارهم، ورفيق ذكرياتهم، ووليف شمس الصباح. وبمناسبة العيد السادس والثمانين لميلاد السيدة فيروز كان لنا وقفة مع الكاتب والصحفي الأستاذ عماد نداف الذي سألناه عما يعنيه الصوت الفيروزي له، وعما تختزنه ذاكرته من نُدف روعة هذا الصوت، فقال: «إن عمر السيدة فيروز ناقص عمري كاملاً يساوي حجم السعادة التي منحتني هذه السيدة إياها، سواءً في ساعات الصباح الأولى حين أركن لسماع صوتها، أو حين حضوري بعضاً من مسرحياتها في معرض دمشق الدولي، أو حتى عند مشاهدتي لها على شاشة التلفاز، أو قراءتي أخبارها، أو أخبار عائلة الرحابنة؛ وهكذا فإن فيروز بالنسبة إلي هي جزء من حياتي اليومية، ومن حياة كل إنسان يسعى إلى بدء صباحه بشيء جميل». بدوره الشاعر والمخرج الأستاذ علي العقباني أطلق على نفسه لقب جار القمر.،
وتابع في حديثه عن السيدة فيروز: «نعم، أنا جار القمر، أو بعبارة أكثر دقة لم أكن جارها، بل هي من كانت تسكن معي، وأضحت مع الوقت تسكن بي، ومن يومها لم تفارقني قط. كنت أعلق صورتها على أحد جدران غرفتي وكأنها سيدة المكان، كانت تقف بجوار الباب، ألقي عليها السلام كلما دخلتُ، وتودعني كلما خرجتُ؛ كنت أعلم أن صوتها يسكن هنا. وعليه، نحن إذ نحتفل بالسيدة فيروز، فإننا نحتفل بأنفسنا، ونحن نغني لنسيطر على عبث الزمان، والوحشة، والغربة، ونحن نعي أن فعل الحب والصوت الفيروزي قادران على جعل الحياة أجمل». ومن منا لا يعلم أن السيدة فيروز وعبر تاريخها الطويل، واندماجها بمشروع الأخوين رحباني الذين أصدروا خلاله أجمل، وأروع الأغنيات في تاريخ الموسيقى العربية لم تشكل ظاهرة حقيقية استمرت حتى اليوم بأغان خالدة، عايشتها الأجيال، والتحمت مفرداتها بألسنة الجميع، واندغمت ألحانها بذاكرتهم، وعن هذا يقول الأستاذ عماد نداف: «صحيح أن السيدة فيروز هي ظاهرة، والظواهر كما هو معلوم تتكرر عادة، غير أن السيدة فيروز هي ظاهرة لن تتكرر بمثل هذا الشكل لأنها قامت على مشروع الرحابنة؛ إذاً هي مشروع متكامل كُرّس عبر الصوت الفيروزي، وألحان الرحابنة، والبيئة الفنية التي احتضنت هذا المشروع فضمنت له الاستمرارية والنجاح، ليتلقفه الجمهور بشغف، ويمنحه الشعبية». بدوره تحدث الأستاذ علي العقباني عن عمق المعاني الإنسانية التي حوتها أغنيات السيدة فيروز، فقال: «أعتقد أن ليس ثمة معنى إنساني لم تتناوله فيروز في أغنياتها، سواء أكان حالة، أم موضوعاً، فكلماتها هي مفردات أيام ماضية تستحضر كل ما في الحياة من معان». ويتابع: «وهكذا حين ينبعث صوت فيروز دافئاً هامساً قادماً من مذياع قديم، أو من أعماق مقهى عتيق، ينبعث كمعجزة قادمة من زمن سحيق، يمنح الحياة والفرح والتفاؤل، ويملأ بعذوبته ورِقّته أرواحنا لكنمل حياتنا ويومياتنا؛ فالذاكرة بلا فيروز، وصوتها، هي ذاكرة ناقصة الملامح والعبارات؛ ناقصة النور». وفي الختام يمكننا القول إن الصوت الفيروزي خُلق ليبقى، خُلق ليستمر في أرواح جديدة، تصيخ السمع إليه كل يوم بأفئدة غضّة، وعيون تناظره أن يمنحها جواز مرورها نحو القمر. السيدة فيروز كل عام وأنت موعدنا المنتظر دائماً لإشراقات الصباح.

التاريخ: الثلاثاء30-11-2021

رقم العدد :1074

آخر الأخبار
وزارة الثقافة تطلق احتفالية " الثقافة رسالة حياة" "لأجل دمشق نتحاور".. المشاركون: الاستمرار بمصور "ايكو شار" يفقد دمشق حيويتها واستدامتها 10 أيام لتأهيل قوس باب شرقي في دمشق القديمة قبل الأعياد غياب البيانات يهدد مستقبل المشاريع الصغيرة في سورية للمرة الأولى.. الدين الحكومي الأمريكي يصل إلى مستوى قياسي جديد إعلام العدو: نتنياهو مسؤول عن إحباط اتفاقات تبادل الأسرى إطار جامع تكفله الإستراتيجية الوطنية لدعم وتنمية المشاريع "متناهية الصِغَر والصغيرة" طلبتنا العائدون من لبنان يناشدون التربية لحل مشكلتهم مع موقع الوزارة الإلكتروني عناوين الصحف العالمية 24/11/2024 رئاسة مجلس الوزراء توافق على عدد من توصيات اللجنة الاقتصادية لمشاريع بعدد من ‏القطاعات الوزير صباغ يلتقي بيدرسون مؤسسات التمويل الأصغر في دائرة الضوء ومقترح لإحداث صندوق وطني لتمويلها في مناقشة قانون حماية المستهلك.. "تجارة حلب": عقوبة السجن غير مقبولة في المخالفات الخفيفة في خامس جلسات "لأجل دمشق نتحاور".. محافظ دمشق: لولا قصور مخطط "ايكوشار" لما ظهرت ١٩ منطقة مخالفات الرئيس الأسد يتقبل أوراق اعتماد سفير جنوب إفريقيا لدى سورية السفير الضحاك: عجز مجلس الأمن يشجع “إسرائيل” على مواصلة اعتداءاتها الوحشية على دول المنطقة وشعوبها نيبينزيا: إحباط واشنطن وقف الحرب في غزة يجعلها مسؤولة عن مقتل الأبرياء 66 شهيداً وأكثر من مئة مصاب بمجزرة جديدة للاحتلال في جباليا استشهاد شاب برصاص الاحتلال في نابلس معبر جديدة يابوس لا يزال متوقفاً.. و وزارة الاقتصاد تفوض الجمارك بتعديل جمرك التخليص