الملحق الثقافي:سعاد زاهر
تلقائياً… تشم رائحة القهوة، وأنت تستمع « تعى ولا تجي وترك الباقي علي….» وقد لا تتابع دندنتك مع الأغنية بل تنصرف إلى شؤونك الصباحية، والغريب مع صوت فيروز…كل التناقضات تعطيك معنى أجمل.
تتابع الغناء في سرك» إذا رجعت بجن، وإن تركتك بشقى…» وتترك القهوة على الموقد تفور على مهل، وكأنك تريد ان تفوح رأئحتها أكثر…
يا لصباحاتنا مع فيروز كيف تكتسي بكل الألوان المبهجة، وتبعث في أرواحنا ذلك الضجيج الذي يخفي ندباتنا الخاصة، وتختفي الكلمات الفارغة، كأننا أعدنا امتلاء أرواحنا..
وأنت تسمعها متفردة كلياً …تتأمل بفلسفة أغنياتها، صوتها…تنقلاتها بين المحلي الغارق بتراب الضيعة، من خلال ألحان وأغنيات عاصي ومنصور الرحباني التي بقيت تغني لهما حتى منتصف الثمانينات إلى أن توفي زوجها عاصي ، انتقلت حنجرتها لتصدح بألحان خالدة..حيث لحن . لها فلمون وهبة، يا طيرة طيري، و من عز النوم… وغنت لمحمد عبد الوهاب يا جارة الوادي، وأعطني الناي لنجيب حنكش…
تجربتها لم تكتسي باللون المحلي فقط…بل انتقت من الموسيقا العالمية العديد من التحف الموسيقية منها..»يا أنا يا أنا أنا وياك» لموزارت، وأغنية كانوا ياحبيبي الموزعة على موسيقى الروسي ليف كنيبر…
ولعل النقلة الأجرأ في مسيرة فيروز كانت على يد ابنها زياد الرحباني…
ينقلها زياد من الرومانسية والواقعية السحرية وأجواء الضيعة الجميلة إلى فجاجة واقعنا بتفاصيله التي تضيق خلقها ولكن حين نسمعها عبر صوتها منتذكرها و بتنعاد…
والحديث عن الحالة الفيروزية، المكللة بسير الرحابنة…لا يمكن لنا أن نختصرها ببعض الجمل، لنا معها سير لا تنتهي…
وهي بكل الأحوال…عندما تأتي سيرتها كأننا نسير في عوالم ألف ليلة وليلة….مهما اختلفت القصة، وصانعها يبقى صوتها البطل المتوج…تتلاشى الحكايا، وقد لا تهتم بالتمييز بين أغنية وأخرى، ولا تفهم بالنوتة الموسيقية، ولكن أحاسيسك مع كل أغنية تنتشي وتتبخر كل الخبايا المؤلمة، وتنطلق مصرا ً على فعل ما تريد…
الذكريا ت مع فيروز، لا ترتبط بمناسبات خاصة، حتى وان كان عيد ميلادها الذي مر مؤخراً ( 21 تشرين الثاني) بل يمكننا عبر أغانيها أن نحكي سيرة حياتنا…
التاريخ: الثلاثاء30-11-2021
رقم العدد :1074