الملحق الثقافي:سلام الفاضل:
. إبداعٌ مزدوجٌ لا يخفى على أحدٍ ما للترجمة من دورٍ مهمٍ في التثاقف الحضاري، ونقل علوم وآداب الآخر، ومزّجها في الوعاء الفكري للشعوب حول العالم. وقد أدرك العرب ذلك منذ منتصف القرن الثامن الميلادي، حين أولى خلفاء الدولة الإسلامية اهتماماً خاصاً بالترجمة، وشجّعوا المترجمين على نقل الكتب في حقول الفن، والزراعة، والاقتصاد، والصناعة، والأدب، والملاحة، والفلسفة، والعلوم، والفلك، مما أسهم في إغناء الحضارة العربية، ومدّها بالابتكارات، والمنجزات الخاصة بها. واليوم ما زالت الترجمة تلعب هذا الدور المحوري، وما زالت تُعدّ جسراً تطؤه العلوم والمعارف جيئةً وذهاباً بين أقوام العالم، وشعوبه أملاً في اكتساب خبرات جديدة، ورغبةً في الاطلاع على آخر ما وصل إليه مفكّرو العالم، ومبدعوه من إنجازات، وإبداعات. وعليه فإن الاهتمام بالترجمة اليوم بات أمراً ملحّاً تسعى معظم دول العالم للتأكيد عليه، وإقامة المشاريع التي تساهم في تطويره، ونقله نحو آفاقٍ أكثرِ رحابةً ومن ذلك ما كان من مشروع ترجمة الألف كتاب الذي أعلنت عنه الهيئة العامة المصرية للكتاب، والمشروع الوطني للترجمة الذي أطلقته الهيئة العامة السورية للكتاب عام ٢٠٠٧، وسوى ذلك من المشاريع الأخرى. والترجمة تقع عادة على كاهل مترجم واحد يتفرغ لنقل عمله عن لغة أصيلة، أو وسيطة، بيد أن ثمة تجارب في الترجمة اشترك فيها مترجمان، أو أكثر، نقلوا خلالها أعمالاً ضخمة عن لغاتها الأم. وقد يتساءل كثيرون ما أهمية هذا النوع من الترجمة؟ وما الذي يميّزها عن الترجمة الفردية؟؟ ولتسليط الضوء على موضوع الترجمة المشتركة، وقفنا عند واحدة من هذه التجارب المميزة، وهي التجربة التي جمعت بين الشاعر والمترجم د. ثائر زين الدين، والمترجم د. فريد الشحف، واستمرت منذ عام ٢٠٠٥ حتى اليوم، ونتج عنها نقل كثيرٍ من الأعمال المهمة والضخمة إلى اللغة العربية عن اللغة الروسية. ويرى د. ثائر زين الدين في تجربة الترجمة المشتركة، وأهم مقوماتها: «إنها تجربةٌ ممتعةٌ جداً، غير أنها ينبغي أن تقوم على مقومات عدّة، وإلا فإن الفشل سيكون مصيرَها منذ اللحظة الأولى.
فبداية يجب أن تجمع بين المترجمين علاقةٌ طيبةٌ، كعلاقة الصداقة مثلاً، أو الأخوة، أو سوى ذلك من أشكال العلاقات المتينة الأخرى. وأن تكون هذه العلاقة كذلك مبنيةً على إتقان المترجمين للغة مشتركة يترجمان عنها، إذ لا يصح أن تكون لغةُ أحدهما ضعيفةً، أو معرفته باللغة المترجم عنها ركيكة، وإلا سيقع كامل الحمل على كاهل المترجم الآخر، الأمر الذي سينهي هذه العلاقة». ويتابع زين الدين متناولاً في كلامه الحديث عن تجربته الخاصة في ميدان الترجمة المشتركة قائلاً: «في تجربتي مثلاً عملتُ وحيداً في مجال الترجمة سنوات طويلة، إلى أن التقيت عام ٢٠٠٥ بصديقي د. فريد الشحف الذي عاش سنوات طويلة في موسكو، ووجدنا أن ثمة مشاريعَ أدبيةً تحتاج إلى مترجمين لنقلها إلى العربية، فبدأنا العمل على كثير من هذه المشاريع، ومن الأعمال التي ترجمناها مثلاً: عمل ضخم لفاسيلي غروسمان بعنوان :(الحياة والمصير) وهو عمل كبير يقع في ثلاثة أجزاء، لا يقل تعداد صفحات كل جزء من أجزائه عن ٧٠٠ صفحة، وعمل آخر حمل عنوان :(صلاة تشرنوبل) للكاتبة البيلاروسية سفيتلانا أليكسييفيتش، الذي فاز بجائزة نوبل للآداب عام ٢٠١٥، إلى جانب نقلنا كثيراً من أعمال ديستويفسكي، وأعمال مختلفة أخرى بلغت نحو ٢٠ عملاً أو أكثر، وهذه الأعمال كانت أعمالاً ضخمة تتطلّب جهد مترجمين يمتلكان ناصية اللغة التي يترجمان عنها، واللغة التي يترجمان إليها». بدوره تحدث د. فريد الشحف عن تجربة الترجمة المشتركة التي خاضها مع الدكتور ثائر زين الدين، وفنّد أسبابَ وعواملَ نجاح هذه التجربة التي استمرت أكثر من عشرين عاماً، بقوله: «منذ لقائنا، وبحكم رابطة الصداقة التي جمعتنا، طرح د. ثائر زين الدين على مشروع العمل المشترك في الترجمة، انطلاقاً من إيمانه أن أيَّ عمل مشترك يجمع بين مترجمين أو مبدعين لا بدَّ أن يُسهم في ترجمة أعمال مهمة، وإنجازها في وقت زمني قصير. وقد أثبت هذا الكلام واقعيته من خلال التجربة التي جمعتني والدكتور ثائر، واستمرت بنجاح حتى اليوم لأسباب عدة منها: دراستي اللغة الروسية باختصاص الصحافة الدولية، ودراسة د. ثائر لها باختصاص آخر هو علم الميكانيك، الأمر الذي جعل لكلّ منّا ثقافة لغوية خاصة به، هو في المجال العلمي، وأنا في المجال الأدبي، مما مكّننا من مصطلحات ومفردات اللغة التي نترجم عنها، إضافة إلى تمكّننا من ناصية اللغة العربية التي نترجم إليها، وعليه فقد أثمرت هذه التجربة بإنجاز أعمال مهمة، واستمرت بنجاح حتى اليوم». ويؤكّد د. ثائر زين الدين على ما جاء في كلام د. فريد الشحف مما يميز تجربة العمل المشترك في الترجمة من سرعةٍ في إنجاز العمل المترجم، إذ يقول: «إن السرعة في إنجاز العمل المترجم هو من أهم ما يميز الترجمة المشتركة، فالسرعة ستكون بالتأكيد أكبر بكثير مما لو قام مترجمٌ واحدٌ فقط بالعمل». ويتابع مبيّناً أن تجارب العمل المشترك في الترجمة قد لا يكتب النجاح لجميعها: «فقد يجد مترجمان أنهما لا يتفقان بعد إنجاز عمل، أو عملين فيترك كل منهما العمل المشترك، ويعودان إلى الترجمة الفريدة». مشيراً في ختام كلامه إلى ما امتازت به تجربته الخاصة من مقومات كتبت لها النجاح، فكانت: «تجربة نافعة ومفيدة وجيدة بالنسبة إلي، والدليل هو أنها ما زالت قائمة حتى اليوم». وفي الختام يمكننا القول إن تجربة العمل المشترك في الترجمة هي تجربة غنية، وثرّة تحمل الفائدة للمترجمين الذين خاضوا هذه التجربة سوياً، وللقارئ الذي ستُهدى له أعمالٌ قيّمةٌ، ومهمةٌ تُنجز في فترة زمنية قصيرة، شرط أن تقوم هذه التجربة على مقومات عدة تسهم في استمرارها، وبلّورتها عبر إبداعات متتالية.
التاريخ: الثلاثاء7-12-2021
رقم العدد :1075