الثورة – د. مازن سليم خضور:
يمكن القول إنه من الخطأ عند تشخيص أي خلل أو مشكلة، الشروع في وضع الحلول دون معرفة الأسباب الحقيقة لهذه المشكلة و ما الذي أدى لحدوثها، لأنهُ فقط بعد التشخيص الصحيح يمكن وضع طرق العلاج المناسبة و التي تؤدي إلى معالجتها و الوصول بها إلى الحل أو تجاوزها، هكذا هي الحال في معظم المعادلات التي يحكمها المنطق: “الطب، الاقتصاد، الحياة، النجاح، الفشل، الخ ” وذلك ينطبق أيضاً على الرياضة.. خاصة السورية منها.
من المهم الإشارة إلى أن مخاطر التعاطي الخاطئ مع أي مشكلة أو خلل خارج المعادلة السابقة، قد يتجاوز المشكلة الأساسية و يحولها إلى واقعٍ أكثرَ ضرراً، كذلك الذي شكلته “كرة القدم السورية” فوق مدرجات جمهورها، فقد تجاوز ضررها الخسارة داخل أرض الملعب بأخرى أكبر فوق المدرجات، طالت حتى الثقة بكامل المؤسسة الرياضية للبلاد وخلال سنوات ! ولم يعد الأمر يتعلق بأهداف خسرناها أو بأخرى أحرجتنا بخسائر متتالية “الأمر تجاوز حدود المعلب بكثير.. فهل يرى أحد ذلك”؟.
في الطب مثلاً، حين يتم إعطاء الدواء من خلال التشخيص الخاطئ دون القراءة الصحيحة للقصة “السريرية” للمريض، النتيجة ستكون عكسية تماماً وقد تدخله في دوامة مرض مستمر و متفاقم.. وهو ما يحصل في الرياضة السورية (على ما يبدو في معظمها)، لكن مشكلات “كرة القدم” نالت القسم الأكبر من تبعات التشخيص الخاطئ لها.
ضمن متابعة بسيطة لنهج إدارة “الملف الرياضي السوري” خاصة المتعلق في “كرة القدم” من السهل أن نلاحظ أن تشخيص الخلل غالباً ما يكون من خلال التركيز على صغائر الأمور و قشورها، وليس الدخول في التفاصيل الحقيقية العميقة.
الحلول التي طبقتها الإدارات المتلاحقة لكرة القدم خلال سنوات، كانت في معظمها تقوم على معيار “الجمهور عاوز كده” عبر الاعتماد على قراءة “هبات” وسائل التواصل الاجتماعي والتي لا تعكس كامل المزاج العام بطبيعة الحال، ما جعل غالبية الحلول تقوم على الانفعال الشعبوي وليس على التقييم الاحترافي العلمي.
كل ذلك قد يوصلنا إلى واقع يمكن وصفه بعملية “تدوير الفشل” والذي يعني نقل الشخص “الفاشل “من مكان إداري إلى آخر أو مكان فني تدريبي إلى آخر ويمكن أن يكون من خلال استبدال مشكلة بأخرى، والقائمة هنا تطول والشواهد والأدلة عليها كثيرة و لسنا بوارد تعدادها.
في النهاية الرياضة التي نتحدث عنها، ما هي إلا انعكاس للواقع الذي نعيشه بكل أشكاله وتفاصيله خلال الحرب، لا تختلف كثيراً عن تلك الاجتماعية والاقتصادية والخدمية، مثلاً ما يحصل على المدرجات من فوضى وشغب وشتم ومظاهر مسيئة (عند البعض ولا نعمم) ما هو إلا انعكاس لما شاهدناه من عنف ووحشية وتعصب وتطرف خلال سنوات الحرب.
أرضية الملاعب وحال البنى التحتية للمنشآت الرياضية، ما هي سوى انعكاس لحالة الطرق والشوارع والمنشآت والمباني في مختلف المجالات وحتى ما هو مقبول منها ليس سوى طفرات أو حالات اعتمدت على موهبتها من قبل أفراد وليس عبر عمل مؤسساتي أكاديمي.
بالإضافة إلى أن هناك العديد من المنشآت الرياضية تعرضت إلى الأعمال الإرهابية وبحاجة إلى إما الترميم أو إعادة البناء، فهل هي من الأولويات ضمن الظروف الحالية أو المطلوب المطالبة بالأموال المجمدة من قبل الفيفا وغيرها؟ في كثير من الأحيان شكل واقع عددٍ من الحكام والإداريين والمراقبين والمشرفين و آلية اختيارهم وعملهم، انعكاس لصورة الترهل و الفساد المتعاظم خلال سنوات الحرب في القطاعات الأخرى من جهة، وحالات المحسوبيات والواسطات والمصالح والعلاقات المشبوهة من جهة ثانية.
ما يحدث وحدث خلال الفترة الماضية لا يعني أن كل ما سبق في رياضتنا يعيش في الظلام، وإنما هناك حالات مضيئة وهناك من رفع علم الوطن في المحافل الدولية وهنا السؤال: هل من أنجز ورفع علم الوطن كان نتيجة مجهود جماعي وعمل وتخطيط فريق بأكمله، أم أنه أيضاً طفرة ونتيجة جهد فردي لم يلقَ أي دعم حقيقي؟ لماذا معظم الإنجازات الرياضية الهامة تكون ضمن الاختصاصات التي تحتاج المشاركة فيها إلى أفراد و ليس إلى فريق؟.
ماذا عن جهود المحافظة على هذه المواهب والخامات والتخطيط للمرحلة المقبلة، أم أنه تم الاحتفاظ بالإنجاز والتغني بالمجد الذي حصل على أنه إنجاز جماعي يمثل كامل الرياضة السورية.
ماذا عن الخطط المستقبلية، فهناك من يتحدث عن أن الخطط الوحيدة هي تلك القائمة على مبدأ “طجت لعبت” مستعيناً بعدم ثبات روزنامة الدوري أو أي بطولة رياضية حتى على مستوى الأندية! فهل يتم التخطيط والاهتمام بالمراحل العمرية المختلفة حقاً، أو أن الاهتمام غالباً ما يكون بمرحلة واحدة أو لعبة واحدة وبأفضل الأحوال لعبتين، بينما تترك باقي الألعاب لاسيما الفردية في المواجهة وحيدة دون دعم رغم أنها هي فقط من حققت الميداليات والأرقام وشكلت مشاركاتٍ لافتة خلال البطولات الرياضية.
عنوانٌ لظاهرة مستجدة وواضحة تطال “الكرة السورية” ولا يمكن تجاهلها خاصة خلال الفترة الماضية، والتي طالت مجموعة “اللاعبين النجوم” فهناكَ من “يهمس” حول تفاقم “اللعنة” و وصولها حدَ الظن بأنهم بحجم المنتخبات، والنتيجة إما الغياب أو الاعتذار عن الحضور والبعض يغادر البعثة و آخرون يعلو صوتهم صراخاً خلال التدريب، متناسين أنهم فعلاً و إن كانوا “نجوماً” لكنهم يجب أن يقدموا للمنتخب ويقدم لهم، لكن لا أحد أكبر من أي منتخب و هذا مهم، في المقابل هناك بعض المميزين مغيبين إما عن المنتخبات أو في الاتحادات لحسابات “قاصرة” وأخرى فرضتها المحسوبيات وسيطرت عليها الشبهات.
ومن الأسئلة المطروحة أنه وخلال فترة الحرب هاجر العديد (الآلاف) من المواطنين إلى دول عدة، والكثير من هؤلاء أبدعوا في مجالات عدة في تلك الدول ومنها الرياضة، وهنا لن نتحدث عن أسباب الإبداع، لكن هذه الدول قدمت الرعاية والاهتمام لهم فهل هناك أحد في الإدارة الرياضية يتابع تلك المواهب ويتواصل معهم بقصد استقطابهم، خاصة أن الكثير منهم وفق المعطيات يتمنى ويرغب بتمثيل منتخبات الوطن فهل هناك من متابع بعيداً عن المصالح الضيقة والحسابات الشخصية؟.
خلال الفترة الماضية أيضاً سمح لمنتخبنا الوطني بكرة السلة أن يلعب على أرضه وبين جماهيره، التنظيم كان جيداً بالرغم من بعض حالات الاستعراض الوهمية و عدم التوازن في توجيه الدعوات الإعلامية وغيرها، لكن مشهد الجمهور الذي لم يهدأ واللوحات التي قدمها في الانتماء والوفاء لهذه الرياضة أظهرت كم المحبة العشق بالرغم من خيبة الأمل (المتكررة) على أرضية الصالة من قبل المنتخب.
الجمهور العاشق الذي تغنت بهِ وسائلُ الإعلام الرياضية خلال مناسباتٍ كثيرة في السنواتِ الأخيرة، كواحدٍ من صورِ الفرحِ النادرة خلال الحرب.. ينتظر إنصافه!.