الثورة – تحقيق سهيلة إسماعيل:
ينطبق على ما يحصل في سوق الأدوية في حمص وغيرها من المدن السورية من ارتفاع الأسعار غير المسبوق وفقدان بعض الأنواع المثل القائل:” وزاد في الطنبور نغماً “، والغريب في الأمر أن جميع الجهات المعنية بقطاع صناعة الأدوية تشكو، ولديها ما يبرر الشكوى ليبقى في نهاية قائمة المشتكين المؤلفة من مستوردي المواد الأولية والمعامل والشركات والمستودعات والصيادلة . المواطن المضطر لشراء الدواء مهما كان سعره ، وهكذا يُضاف الدواء كعبء من الأعباء الكثيرة والكبيرة ، خاصة في ظل الظروف الاقتصادية الحالية التي أرخت ظلالها القاتمة على جميع مفاصل الحياة اليومية.
*شر البلية..
أكدت لنا سيدة من إحدى قرى ريف حمص الغربي أن بعض محال بيع الخضار والفواكه في قريتها أصبحت تبيع السيتامول وحبوب الالتهاب لاكتوكسام، فظرف حب الالتهاب بألف ليرة سورية وهو أرخص من كيلو البطاطا أو باقة البصل الأخضر وأهم عند الحاجة له . وأضافت وهي تضحك وتستنكر استغربنا أن الأمر عادي وكان سائدا في قديم الزمان ،حيث لم تكن الصيدليات منتشرة كما في الوقت الحالي ..!!
– بينما روت لنا سيدة أخرى تقطن في حي عكرمة بحمص أنها لم تستطع شراء كل أنواع الدواء التي وصفها الطبيب لابنها المريض بسبب ارتفاع أسعارها واكتفت بشراء نوع واحد .
وأشار أحد المواطنين إلى تزامن ارتفاع أسعار الأدوية مع وباء كورونا وعدم قدرة المشافي الحكومية على تأمين الأدوية اللازمة وأقسم أن بعض المواطنين باعوا منازلهم لتأمين العلاج لذويهم بسبب ارتفاع تكاليف الدواء والعلاج. فهل يعقل أن تكون علبة “الأزيثرومايسين” بثلاثة آلاف ليرة وفيها ثلاث حبات فقط؟
أما الطامة الكبرى فهي لدى كبار السن المواظبين على تناول أدوية ارتفاع الضغط أو السكري حيث ارتفعت الأسعار أضعافا مضاعفة مثل الكلوبيد وغيرها من الأدوية الأخرى .
*احتكار المعامل ..
خلال زيارتنا لأكثر من صيدلية في أحياء حمص المتفرقة رفض الجميع ذكر أسمائهم وبعضهم رفض الكلام. ربما لقناعتهم بعدم الجدوى وربما نتيجة تضايقهم الكبير مما يحصل، لكننا استطعنا أن نستخلص من خلال أحاديثهم المقتضبة معاناتهم وشكواهم. مع العلم أن الجميع رفض ذكر اسمه، فهم كما أكد صاحب صيدلية في حي وادي الذهب يبيعون ما لديهم من أدوية بالسعر المحدد لكنهم يُفاجؤون عند طلب الأنواع نفسها بارتفاع السعر. فقال: على سبيل المثال بعت أبر الروس بلاس بـ2100 منذ فترة أما الآن فسعرها أصبح 3300، بينما أكدت صيدلانية في سوق المدينة أن المواطن يجد صعوبة في الحصول على بعض أنواع الأدوية لأن المستودعات لا تعطينا ما نطلبه والأنواع المطلوبة “رغم ضرورتها” غير موجودة إلا بالسعر الحر مثل السيتامول الوريدي والمضادات الحيوية للأطفال والمقشعات والموسعات القصبية . ورأت صيدلانية أخرى أن المعامل تحتكر بعض أنواع الأدوية بهدف تحقيق الربح والكسب أكثر وتحتفظ بما لديها منتظرة ارتفاع الأسعار كأي سلعة أخرى ضاربة عرض الحائط بمصلحة المواطن وتلبية حاجته الماسة للدواء. وأضافت أن سعر تحاميل الديكلون كان 1200 ليرة سورية والآن أصبح سعرها 4000 ليرة، ما جعل المواطنين يبحثون عن بدائل للأدوية، بالإضافة إلى تحميل أنواع من الأدوية أو المراهم والكريمات مع الأدوية الرئيسية. لقد أردت شراء طلبية منذ فترة وبلغ سعرها كاملة 350 ألف ليرة وفوجئت أن المستورد قام بتحميل الكثير من الأنواع عليها، النصف تقريبا . فكيف سيتصرف الصيدلاني في مثل هذه الحالات؟ خاصة وأن الأصناف المحمّلة غير مطلوبة في أغلب الأحيان .
*المستودعات تبرر..
أجرينا اتصالا مع أكثر من مستودع لتخزين وبيع الأدوية وكان سؤالنا عن سبب تحميل أصناف على أصناف أخرى فكانت إجاباتهم موحدة تقريبا وأعادوا السبب إلى وجود أصناف من الأدوية تحقق ربحا جيدا بينما لا تحققه أصناف أخرى، لذلك يقومون بتحميل الأصناف غير الرابحة على الأصناف الرابحة، وهنا أيضا نلاحظ أن المستودعات تسعى لتحقيق مصلحتها أولا وأخيراً. كما أكدوا أن ما يحدث في قطاع الصناعة الدوائية من فوضى وفلتان أسعار يتعلق بالشركات المنتجة وهم لا يحددون الأسعار، بل الشركات والمعامل وبالتنسيق مع وزارة الصحة يتم تحديد الأسعار ولا علاقة لهم بانخفاض القوة الشرائية لدى المواطن إذا اعتبرنا الدواء كأي سلعة ارتفع سعرها في الآونة الأخيرة .
*السبب تكاليف الإنتاج..
عرفنا منذ فترة أن بعض المعامل هددت بالتوقف عن الإنتاج لحين رفع أسعار الأدوية أو إنصافهم من قبل الدولة لتسهيل بعض الأمور كتأمين التيار الكهربائي وإعفائهم من التقنين الجائر وتأمين المواد الأولية بأسعار معقولة.
وعندما توجهنا إليهم للتواصل معهم بدا لنا أن للموضوع خصوصية معينة، لذلك رفضوا أيضا تحديد أسماء المعامل والشركات التي تواصلنا معها، وقد أكدوا أن الكلفة المرتفعة والظروف المرافقة لصناعة الدواء هي من تجبرهم على رفع الأسعار، فقد كان البنك المركزي يزودهم بالقطع الأجنبي بسعر 1250 ليرة، ومع التغيرات الحاصلة وارتفاع سعر الصرف رفع المركزي السعر إلى 2500 ليرة، وهم في هذه الحالة لا يستطيعون الاستمرار بالإنتاج فلديهم تكاليف أخرى يلتزمون بها كأجور العمال وإيجاد بدائل عن التيار الكهربائي وأجور النقل التي ترتفع نتيجة ارتفاع أسعار المحروقات وغيرها من التكاليف الأخرى المرتفعة هي أيضاً. وقد تساءل أحد أصحاب المعامل: هل أنشأت معملا لصنع الدواء لكي أخسر ؟ مع العلم أن كل معمل أو شركة دوائية يؤمنون فرص عمل لعشرات العمال . وأضافوا أن المسؤول عن مشكلة ارتفاع أسعار الأدوية وعدم ملاءمتها لمستوى دخل المواطن هو وزارة الصحة المعنية بالعمل على تخفيف تكاليف الإنتاج والتنسيق مع المصرف المركزي لتخفيض سعر الصرف . وثمة أمر آخر جاء على لسان صاحب أحد المستودعات المعروفة في مدينة حمص وهو تساؤل عن سبب بيع شراب السيتامول في شركة تاميكو الحكومية بأربعة آلاف ليرة بينما يُطلب من القطاع الخاص بيعه بألفي ليرة فقط …؟؟
*النقابة وتبادل المسؤوليات..
كانت نقابة الصيادلة محطتنا الأخيرة وكنا نتوسم خيراً أن نجد عندها الجواب الوافي والخبر اليقين لكن “للأسف” فهي لا حول لها ولا قوة إزاء ما يحدث . بالإضافة إلى أن الهاتف الأرضي في النقابة معطل ….!!! ولم نستطع التواصل مع النقيب على هاتفه الجوال، وقد عرفنا من أحد المعنيين فيها أن الفوضى السائدة في سوق الأدوية هي بسبب دخول “السماسرة” على الخط وأن الأدوية مثلها مثل أي سلعة تخضع للمبدأ التجاري البسيط “العرض والطلب” وبما أننا في فصل الشتاء فمن الطبيعي أن ينتشر الرشح والكريب وتكثر الأمراض ولاسيما كورونا التي أنهكت البشر والجيوب ولهذا يزداد الطلب على الدواء ويزداد السعر طرداً مع زيادة الطلب …!! وللأمانة فقد عرفنا أن دور النقابة يتجلى في الإشراف والرقابة على الصيدليات الموجودة في المحافظة، أما بالنسبة للأسعار فالمعامل والشركات هي من ترفع الأسعار نتيجة ارتفاع الكلفة .