جورج جبور: أمننا اللغوي ليس بخير

الملحق الثقافي:رنا بدري سلوم:

وجدتها ..فكيف ذلك ؟ ما تزال كلمة «أرخميدس» وجدتها، تدوي في آذان الناس منذ أكثر من ألفي سنة، وما تزال ماثلة في أعينهم، وهي تسقط تفاحة «نيوتن»، ثمة لحظة كشفت، فمتى كانت لحظة كشف أن بدء التنزيل الشريف هو يوم اللغة العربية الأكبر؟ متى عرس العربية؟ ما أهم يوم في عمر لغتنا عبر نيف وألفي عام؟ إنه دون تردد يوم كانت أو نزلت من السماء «اقرأ» ولا ناقص لقرارك، هكذا الأمر عند الدكتور جورج جبور، ولا يخال أحداً يخالفه فيه، إن كلمة «اقرأ» وثيقة الصلة باللغة لم يكن البدء بكلمة منبتة الصلة باللغة أو واهية الصلة بها، لم يكن البدء أقم أو ارتحل، كل أو اشرب، إن القراءة كساء اللغة، ثم إن القرآن الكريم أو كتاب جمع في العربية هو كتابها الأول بالمعنيين «معنى التقدم الزمني ومعنى التقدم القيمي» ومعه النفوذ العملي، كذلك فالقرآن الكريم مثال يحتذى به في الفصاحة العربية وهو قسطاسها، الحمد لله القائل: « إنا أنزلناه قرآناً عربياً لعلكم تعقلون».
للشهباء جوهر الفكرة
من منا يعلم أن فكرة «يوم اللغة العربية» انطلقت من حلب الشهباء؟ ومن قرر تشرين الأول عام 2012 في باريس «يوم اللغة العربية العالمي»؟ قد بُح صوته في فعالية اليوم العالمي عام 2016 بدعوة اليونسكو للكلام فيه وهو يطالب بأن تعترف اليونسكو لحلب بفضل الولادة، لكن لا نتيجة مرجوة، فهل تطالب حلب بحقوقها بدءاً من جامعة حلب؟ سؤال محق طرحه الدكتور جورج جبور في حوار خاص لصحيفة «الثورة» وبين كم هو عاتب علينا نحن العرب كسالى الفِكر أمام اللغة العربية هذا الكائن الحي الذي ينمو ويتطور، وفي كتاب «يوم اللغة العربية « الصادر عن اتحاد الكتاب العرب جمع فيه المراسلات الدولية التي أرسلها من أجل اللغة العربية، وبين تراجع مكانة اللغة العربية في ساحة التنافس اللغوي العالمي.
لقد حان الوقت بعد نيف وخمسة عشر عاماً أن تحتفي «سورية» بنفسها وتنسب إلى نفسها ما هو ثابت لها في مطبوعات أصدرتها مؤسسات الدولة، وفقاً للدكتور جبور «رغم أن اليونسكو لم تعتمد الموعد الذي اقترحه 18 كانون الأول إلا أنني أتقبل التهاني في اليوم لأنني أول من نادى في الفكرة، وقد اقترحت اليوم بدء التنزيل الشريف، لم يتحمس أحد سوى لجنة التمكين للغة العربية، أخذت الاقتراح إلى المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم لم توافق المنظمة على اليوم المقترح كان ذلك عام 2010 متى ذهب الاقتراح إلى المنظمة ؟ لم تعثر اللجنة على كتاب الإرسال أعلمني ذلك بكل مسؤولية رئيس اللجنة منذ عام 2014 غيرت الموعد المقترح، لم أعد أتحدث عن بدء التنزيل، رفض الوزراء العرب الفكرة جعلت الموعد المقترح مرتبطاً بيوم مالئ الدنيا وشاغل الناس: المتنبي، فليكن يوم لغتنا العالمي يوم تخليد لشاعر العربية الأول، وليكن ذلك أسوة بالأيام العالمية للروسية والانكليزية والصينية أي أسوة بأغلبية أيام اللغات العالمية حيث ذكرت أسماء المجلين بها، يوم الروسية «بوشكين» يوم الانكليزية «شكسبير» أما يومنا فقد اقترحته علينا اليونسكو !!! وافقنا شاكرين !.
«كل عربي مدقق لغوي»
الأمن اللغوي ليس بخير، ولاسيما في وسائل الاتصال الحديثة، وسائل الاتصال هذه، جعلت اللغة الانكليزية تتفوق على اللغات جميعاً، ذلك لأن صانع الآلة هو الذي يحدد اتجاهاتها، وصانعو الإنترنت هم الأميركيون، وإن من أبلغ الدلائل على عدم العناية الكافية باللغة العربية، أنه ليس لدينا مجمع لغوي عربي واحد، بل اتحاد للمجامع بينما لغتنا لغة واحدة وفي المقابل نجد عناية باللغة الفرنسية على مستوى القمة، إن اللغة العربية تفتقد كل وسائل الأمن و»الحماية السياسية للغة العربية» إن هذه السياسة نائمة ويمكن تفصيل ذلك في المناسبات.
وإن جامعة الدول العربية التي يقع عليها قبل غيرها، واجب العناية باللغة العربية ، لم تبدأ اهتمامها باللغة إلا بعد أن خاطب الدكتور جبور الأمين العام للجامعة بهذا الشأن، قبيل قمة السودان عام 2006 ثم كان للغة العربية وجود متميز في قمة دمشق 2008 لكن هذا الجهد المتميز لم يتابع كثيراً من قبل الجامعة ولم تتابعه الهيئات الأخرى ضمن عائلة الجامعة، ومنها «الألكسو» المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، أو اتحاد المجامع اللغوية العربية وغيرهما.
أما عن كيفية الحفاظ على الأمن اللغوي برأي الدكتور جورج جبور ثمة مستويات عديدة لصيانة الأمن اللغوي بدءاً من المدرسة وانتهاء بالحياة اليومية، حاولت لجنة التمكين للغة العربية أن تلزم أصحاب المحال التجارية، بتحويل عناوين محالهم إلى اللغة العربية وكان نجاحها محدوداً، فما تزال اللوحات الحاملة لأسماء المتاجر تحفل بالأسماء الأجنبية كذلك تترسب الألفاظ الأجنبية إلينا في حياتنا اليومية، وليس ثمة من يشير إلى خطأ هذه العادة، ثم إن مجامع اللغة لدينا لم تستطع مجاراة التقدم التكنولوجي اليومي واستحداث تعابير قابلة للاستعمال بسهولة ويسر، فمثلا كلمة فاكس لا تزال هي السائدة رغم أن المجامع اجتهدت وأوجدت بدائل لها وكلمة حاسوب الجميلة لم تستطع الانتصار على كلمة «كومبيوتر».
ثمة حاجة إلى إرادة عامة من أجل أمن اللغة العربية، دعا الدكتور جبور المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم عام 2010 أن يكون شعار يومها في الاحتفال بيوم اللغة العربية «كل عربي مدقق لغوي» بمعنى أنه حين يقرأ في جريدة نصاً عربياً يخالف قواعد اللغة العربية، فإنه وجب أن يلفت النظر إليه وعلى سبيل الوسيلة الإعلامية أن تفسح مجالاً للتصحيح لكي يزيد إتقاننا اليوم للغة العربية.
علينا جميعاً حين نرى خطأ في اللغة العربية، أن نصححه، ثم إن هناك أساليب أخرى لحماية أمن اللغة، البعض يقول، علينا أن نصدر قانوناً يعاقب من يكتب مثلاً على ورق رسمي رسالة باللغة الأجنبية إذا كان المخاطب سورياً أو عربياً لكن هذا الأمر لم يكن ذا جدوى حتى في فرنسا التي أصدرت قانون «توبون» الذي يعاقب من يكتب على ورق رسمي بلغة غير فرنسية، ضبط وزير الدفاع الفرنسي يصدر أوامره إلى من يعمل معه وعلى ورق رسمي باللغة الانكليزية وكانت تلك فضيحة مجلجلة في فرنسا.
لغتنا وحرب اللغات
في العالم حرب لغات، تتنافس اللغات حتى تشعر أن هم َّ بعضها إنهاء بعضها الآخر، وهذه الحرب سريّة أحياناً معلنة أحياناً أخرى، فأما الدول القوية فقليل منها الحيادي إزاء هذه الحرب، أما الدول الضعيفة فقليل منها الذي يوليها الأهمية التي تستحق، وتتبارى الدول في تحسين لغاتها حتى تزداد قدرتها على المنافسة في السوق الدولية، أو حتى تزداد قدرتها على الاحتفاظ بأبنائها فلا يهجرونها إلى لغة أخرى.
ولا ننسى الحديث عن العامية التي لها حدان: لا يمكن القضاء على العامية التي وجدت منذ زمن طويل فلم تستطع إلغاء الفصحى وليست في سبيلها لتفعل، منتشرة هي لكن التوسع في استخدام الفصحى الوسيطة، وهو أمر جارٍ يحد من نفوذها، والحد الثاني: الإغراق في تعقيد اللهجات المحلية أمر لا يحظى بالرضى العام، أما الإغراق فيه يفصح بواعث يرى فيها البعض ما يثير تساؤلاً عن النيّات!!.

التاريخ: الثلاثاء21-12-2021

رقم العدد :1077

 

آخر الأخبار
الرئيس الأسد يصدر قانون إحداث وزارة “التربية والتعليم” تحل بدلاً من الوزارة المحدثة عام 1944 هل ثمة وجه لاستنجاد نتنياهو بـ "دريفوس"؟ القوات الروسية تدمر معقلاً أوكرانياً في دونيتسك وتسقط 39 مسيرة الاستخبارات الروسية: الأنغلوسكسونيون يدفعون كييف للإرهاب النووي ناريشكين: قاعدة التنف تحولت إلى مصنع لإنتاج المسلحين الخاضعين للغرب الصين رداً على تهديدات ترامب: لا يوجد رابح في الحروب التجارية "ذا انترسبت": يجب محاكمة الولايات المتحدة على جرائمها أفضل عرض سريري بمؤتمر الجمعية الأمريكية للقدم السكرية في لوس أنجلوس لمستشفى دمشق الوزير المنجد: قانون التجارة الداخلية نقطة الانطلاق لتعديل بقية القوانين 7455 طناً الأقطان المستلمة  في محلجي العاصي ومحردة هطولات مطرية متفرقة في أغلب المحافظات إعادة فتح موانئ القطاع الجنوبي موقع "أنتي وور": الهروب إلى الأمام.. حالة "إسرائيل" اليوم السوداني يعلن النتائج الأولية للتعداد العام للسكان في العراق المتحدث باسم الجنائية الدولية: ضرورة تعاون الدول الأعضاء بشأن اعتقال نتنياهو وغالانت 16 قتيلاً جراء الفيضانات والانهيارات الأرضية في سومطرة الأندونيسية الدفاعات الجوية الروسية تسقط 23 مسيرة أوكرانية خسائر كبيرة لكييف في خاركوف الأرصاد الجوية الصينية تصدر إنذاراً لمواجهة العواصف الثلجية النيجر تطلب رسمياً من الاتحاد الأوروبي تغيير سفيره لديها