محمود السيد: ورثت كنوز الأرض علماً وحكمة

 

الملحق الثقافي:فاتن أحمد دعبول:

لم يبالغ الشاعر أحمد شوقي عندما قال:
إن الذي ملأ اللغات محاسنا جعل الجمال وسره في الضاد
فلطالما كانت اللغة العربية ركناً هاماً من أركان التنوع الثقافي للبشرية، ونحن نعلم أنها إحدى اللغات الأكثر انتشاراً وتداولاً في العالم، ولا يخفى على أحد دورها في إنتاج المعارف وانتشارها في أصقاع المعمورة، وساعدت أيضا على نقل المعارف العلمية والفلسفة اليونانية والرومانية إلى أوروبا في عصر النهضة، وما الاحتفال باليوم العالمي للغة العربية إلا من أجل بث الوعي بتاريخ اللغة العربية وثقافتها وتطورها، والتأكيد مجدداً على الدور الهام الذي تؤديه اللغة العربية في مد جسور التواصل بين الناس على صهوة الثقافة والعلم والأدب، عبر فعاليات ونشاطات تقوم بها المؤسسات الثقافية المعنية.
وفي اليوم العالمي للغة العربية كان لابد أن نقف عند أهمية لغتنا العربية وضرورة المحافظة عليها وإتقانها وممارستها في المدارس والجامعات ومراسلاتنا اليومية لنحفظها من التشويه وتحديات العولمة والتقنيات الحديثة التي بدأت بالتسلل السلبي إلى لغتنا العربية عبر الممارسة المشوهة لها في وسائل التواصل الاجتماعي والكتابة بلغة هي لا تمت للعربية بصلة.
ومن أجل ذلك كان لقاؤنا مع د. محمود السيد رئيس لجنة التمكين للغة العربية فماذا يقول في هذه المناسبة؟
أقول: ليت أبناء الأمة العربية يقدرون مكانة لغتهم إذ شرفها رب العالمين بإنزال القرآن الكريم بلسان عربي مبين، وهذه نعمة كبيرة لم تحظ بها لغات أخرى.
وليت المسؤولين في الدول العربية، وأبناء الأمة العربية يقدرون هذا الغنْم الكبير في أن تكون لغتهم العربية بين اللغات الست المعتمدة في هيئة الأمم المتحدة والمنظمات التابعة لها والمرتبطة بها، في الوقت الذي نجد فيه دولاً ذات ثقل سياسي واقتصادي على الصعيد العالمي مثل» إيطاليا، ألمانيا، اليابان وإيران» لم تكن لغاتها من بين تلك اللغات الست المعتمدة وهي» الإنجليزية، الفرنسية، الاسبانية، الروسية والصينية».
ثم كان اعتماد العربية عام 1973 بعد حرب تشرين التحريرية، حيث أثبت العرب تضامنهم وقوتهم آنذاك، ففرضوا لغتهم التي انطبقت عليها معايير اللغة العالمية من حيث عدد المتكلمين بها، إذ جاءت نسبتهم 6،60 في المرتبة الرابعة بعد الإنجليزية والصينية والهندية»، وبموجب معيار عدد الناطقين الثانويين، أي من يتحدثون بلغة غير لغتهم الأم، جاءت العربية في المرتبة الخامسة، وجاء معيار اعتمادها لغة رسمية في دول عدة في المرتبة الثالثة بعد الإنجليزية والفرنسية، إضافة إلى معيار انتشارها الجغرافي في أكثر من قارة، وهي الأولى في دول البحر المتوسط، إذ ثلث سكان إفريقيا يتكلمون بها، يضاف إلى ذلك كله حضورها في اللغات العالمية، كالإسبانية والفرنسية والإيطالية والإنجليزية والألمانية والفرسية والتركية والأندونيسية، حيث نجد بعض الألفاظ فيها من أصل عربي.
وأضاف د. السيد:
هذا جميعه يضاف له انتشار المخطوطات العربية في مكتبات دول عدة، وثمة اهتمام عالمي بالمحتوى الرقمي العربي في العديد من الدول مثل» أميركا، بريطانيا، فرنسا، سويسرا، الاتحاد الأوروبي، الصين، روسيا، الهند وماليزيا ..» وهي في مشروع ذاكرة العالم في المنظمة الدولية للتربية والثقافة والعلوم» اليونسكو» وفي الحاضنات التقانية في الإسكوا، وفي شركة جوجل وياهو ووكالة رويترز، وقد احتلت العربية المرتبة الرابعة بعد الإنجليزية والفرنسية والروسية في إحصاء ل 115 إذاعة في العالم.
وبدوره بين أنه لا يمكننا أن ننسى أن ثمة معياراً عالمياً أيضاً يتعلق بالنمو السكاني للمجتمع الذي يتحدث بالعربية، فها هي ذي نسبة التوالد عالية في المجتمعين العربي والإسلامي، إذ من المتوقع أن يصل إلى ما يزيد على مليارين عام 2030 أي قرابة ربع سكان الكرة الأرضية.
تلك هي المعايير التي تنطبق على عالمية اللغة العربية، ويضاف إلى ذلك كله عراقة العربية وإسهامها في مسيرة الحضارة البشرية واحترامها للغات الأخرى وتقدير علمائها ومفكريها والترجمة عنها، إذ ورثت كنوز الأرض علماً وحكمة، فترجمت أدب الفرس، وحكمة الهند، وفلسفة الإغريق، وأسبغت على ما ترجمته الطابع العربي، ثم قدمت خلاصة ما وصلت إليه في مختلف ميادين المعرفة بعد أن أبدعت وابتكرت واعتمدت المنهج التجريبي في الوصول إلى الحقائق، قدمت ذلك كله إلى أوربا عبر النهضة العلمية في الأندلس، وكان للعلماء العرب دور بارز في التواصل الحضاري ونهضة أوروبا، فكان النتاج الفكري العربي في مخطوطات الرازي وابن الهيثم وابن سينا والرازي والزهراوي وابن النفيس، معتمداً في أوروبا حتى أوائل القرن التاسع عشر، وكان لمؤلفات ابن رشد مكانة كبيرة في النهضة الأوروبية، ولا يمكننا أن ننسى أن التفاعل بين العربية وغيرها من اللغات كان تفاعلاً فعالاً من حيث التأثر والتأثير، إذ إن العلماء الأوروبيين استعملوا اللغة العربية، لغة للتعليم والتعلم، وترجموا عنها إلى اللاتينية، وكان ذلك التفاعل مع اللغات الأخرى، قبل الإسلام وبعده، حيث تأثرت باللغات القديمة» الفارسية، اليونانية، النبطية، الحبشية، الهندية والسريانية» وبلغ الإنتاج العلمي العربي أوجه، تأليفاً وترجمة في العصر العباسي، فكانت الحضارة العربية إبان ألقها متمثلة في مختلف ميادين المعرفة، من أمثال جابر بن حيان في الكيمياء، والبيروني في علوم الأرض، وابن البيطار في النبات، وحنين بن اسحق في التشريح، وابن سينا والزهراوي والكندي وابن النفيس في الطب، وابن الهيثم في علوم الطبيعة والبصريات، والخوارزمي في الرياضيات والبتاني في الفلك والرياضيات، وابن ماجد والشريف الإدريسي في الجغرافية وابن رشد في الفلسفة، وابن خلدون في علم العمران والاجتماع.
ويضيف: هذا إلى جانب علوم اللغة العربية لدى سيبويه وابن جني والخليل والجرجاني في علوم اللغة، وكان لتلك العلوم دور بارز في التواصل الحضاري والنهضة الأوروبية.
شعار العام 2021
والجدير بالذكر أن موضوع اليوم العالمي للغة العربية لهذا العام هو» اللغة العربية والتواصل الحضاري» ويعتبر بمثابة نداء للتأكيد مجدداً على الدور الهام الذي تؤديه اللغة العربية في مد جسور التواصل بين الناس وإبراز الدور التاريخي الذي تضطلع به اللغة العربية كأداة لاستحداث المعارف وتناقلها، فضلاً عن كونها وسيلة للارتقاء بالحوار وإرساء أسس السلام، وكانت اللغة العربية على مر القرون الركيزة المشتركة وصلة الوصل التي تجسد ثراء الوجود الإنساني وتتيح الانتفاع بالعديد من الموارد.

التاريخ: الثلاثاء21-12-2021

رقم العدد :1077

 

آخر الأخبار
ماذا لو عاد معتذراً ..؟  هيكلة نظامه المالي  مدير البريد ل " الثورة ": آلية مالية لضبط الصناديق    خط ساخن للحالات الصحية أثناء الامتحانات  حريق يلتهم معمل إسفنج بحوش بلاس وجهود الإطفاء مستمرة "الأوروبي" يرحب بتشكيل هيئتَي العدالة الانتقالية والمفقودين في سوريا  إعادة هيكلة لا توقف.. كابلات دمشق تواصل استعداداتها زيوت حماة تستأنف عمليات تشغيل الأقسام الإنتاجية للمرة الأولى.. سوريا في "منتدى التربية العالمية EWF 2025" بدائل للتدفئة باستخدام المخلفات النباتية  45 يوماً وريف القرداحة من دون مياه شرب  المنطقة الصناعية بالقنيطرة  بلا مدير منذ شهور   مركز خدمة الموارد البشرية بالخدمة  تصدير 12 باخرة غنم وماعز ولا تأثير محلياً    9 آلاف طن قمح طرطوس المتوقع   مخالفات نقص وزن في أفران ريف طرطوس  المجتمع الأهلي في إزرع يؤهل غرفة تبريد اللقاح إحصاء المنازل المتضررة في درعا مسير توعوي في اليوم العالمي لضغط الدم هل يعود الخط الحديدي "حلب – غازي عنتاب" ؟  النساء المعيلات: بين عبء الضرورة وصمت المجتمع