النساء المعيلات: بين عبء الضرورة وصمت المجتمع

إيمان زرزور – كاتبة صحفية :

في زحمة الصراخ المنكسر خلف أبواب النزوح والخراب، وفي ظل وطن أنهكته الحرب لـ 14 عاماً، ولّد الألمُ أدواراً لم تكن تُحسب، ودفَع بالنساء السوريات إلى خطوط المواجهة الأولى، وفي ظل كل تلك التحوّلات التي عصفت بالمجتمع السوري، برز وجهٌ جديد للمرأة، وجهٌ لا يشبه صورها القديمة في دفء البيوت، ولا في زينة الأعراس، وجه لامرأة متعبة، تحمل على كتفيها ما لا تحتمله الجبال، امرأة فقدت المعيل، لكنها لم تفقد نفسها.

لم يكن في الحسبان أن تتحول آلاف النساء إلى “معيلات” لأسر بأكملها، لم يكن في الحسبان أن يمضين فجراً إلى سوق العمل، لا بحثاً عن طموح، بل هروباً من الجوع، الحرب نزعت عنهن كل اختيار، وجعلتهن وحدهن في الميدان (المعيل، والمُربّي، والحامي، والمُعيل النفسي والعاطفي والاقتصادي) في غياب الرجل، وجدَت نفسها أمام معركة لم تختر توقيتها، لكنها لم تتراجع.

المرأة المعيلة في سوريا اليوم ليست حالة عابرة، بل أصبحت جزءاً أصيلاً من النسيج المجتمعي، بعد أن غيّبت الحرب مئات آلاف الرجال، بين قتيل ومعتقل ومُهاجر، وجدت المرأة نفسها تسابق الفقر، وتطارد اللقمة، وتكافح لتثبيت جدران منزلها المتصدّع، لم تكن تلك مهمتها، ولم تُعِد نفسها لها، لكن الحرب لا تمنح خيارات.

أثبتت ظروف الحرب، قدرة المرأة السورية على مواجهة كل الخطوب والصعاب والتحديات، وقدرتها الفائقة على التكيف معها، ولعل النساء اللواتي عايشن التهجير والسكن في المخيمات، أكثر فئة واجهت مصاعب خلال الحياة اليومية، خاصة اللواتي أقمن في خيم قماشية أو غرف مسقوفة بعازل وصغيرة مقارنة بالمنازل السابقة التي عشن فيها قبل النزوح ومع عدد أفراد الأسرة، فقدت بذلك ذلك البيت الدافئ والجدران، ذلك المكان الذي عايشته وعاشت فيه.

ومنذ انطلاق الحراك الشعبي في سوريا في آذار/ مارس 2011، كان للنساء السوريات دور محوري في المطالبة بالتغيير الديمقراطي، حيث شاركن بفاعلية في المظاهرات السلمية، وساهمن في توثيق الانتهاكات وتقديم المساعدات الإنسانية للمتضررين، عانت المرأة الاعتقال ومرارة السجون المظلمة، وتعرضت لأبشع أنواع التعذيب والإهانة الجسدية والنفسية، كما عانت التهجير والتشرد، كانت من بين مئات آلاف الضحايا نساء قدمن أرواحهن على درب الحرية.

فدور المرأة السورية في ثورة السوريين، لم يكن ثانوياً أو مجرد إضافة رمزية، بل كان أساسياً وحاسماً في مختلف المجالات المجتمعية والحقوقية والسياسية، وبحسب قاعدة البيانات في الشَّبكة السورية لحقوق الإنسان فقد قتل ما لا يقل عن 16603 سيدات، منهن 78 ‎بالمئة على يد نظام بشار الأسد وحلفائه، و9736 لا يزلن مختفيات قسرياً، منهن 82 بالمئة‎ على يد نظام بشار الأسد، إضافة إلى 10072 حادثة عنف جنسي ضد السيدات في سوريا، وذلك منذ آذار/مارس 2011 ولغاية آذار/مارس 2025.

رغم القسوة، كانت تلك النساء مرآة جديدة للبطولة، لَمعن في الظل، حيث لا أضواء ولا تصفيق، وأثبتن أن الإعالة ليست وظيفة رجل، بل مسؤولية إنسان، حين يُدفع إلى الحافة، هؤلاء النساء كسرن الصورة النمطية، وأعدن تعريف معنى القوة، في كل الساحات والميادين، فهي الأم والمعيلة وصانعة الأبطال والمربية والشهيدة.

إن الحديث عن المرأة السورية ليس بكاءً على الأطلال، بل دعوة إلى الاعتراف، إلى أن نراها بعيون منصفة، لا عيون شفقة أو رقابة، دعوة إلى سياسات عادلة، وإلى دعم مؤسسي يحترم كفاحها، لا يستخدمه للترويج الإعلامي، دعوة لأن نعيد رسم ملامح المجتمع بألوانها، لا أن نضعها في الزاوية، فهي قلب هذا المجتمع اليوم، وصموده في وجه الهاوية. وإذا كنا نريد مستقبلًا لسوريا.

ولابد في سوريا الجديدة، ان تكون المرأة في صدارة المشهد، آلا يتم تهميشها وتصغير إنجازاتها، أن  تكون شريكاً أساسياً في وضع السياسات العامة واتخاذ القرارات المصيرية التي ستحدد مستقبل البلاد، يجب إشراك النساء في كل حقل ووزارة وكيان، لأن الوطن لا يمكن أن يُبنى دون النساء، هنّ السند حين انهار السند، والصوت حين خرس الصوت، والركيزة حين اختفى السقف .. إنهن أمهات الوطن.

آخر الأخبار
هيكلة نظامه المالي  مدير البريد ل " الثورة ": آلية مالية لضبط الصناديق    خط ساخن للحالات الصحية أثناء الامتحانات  حريق يلتهم معمل إسفنج بحوش بلاس وجهود الإطفاء مستمرة "الأوروبي" يرحب بتشكيل هيئتَي العدالة الانتقالية والمفقودين في سوريا  إعادة هيكلة لا توقف.. كابلات دمشق تواصل استعداداتها زيوت حماة تستأنف عمليات تشغيل الأقسام الإنتاجية للمرة الأولى.. سوريا في "منتدى التربية العالمية EWF 2025" بدائل للتدفئة باستخدام المخلفات النباتية  45 يوماً وريف القرداحة من دون مياه شرب  المنطقة الصناعية بالقنيطرة  بلا مدير منذ شهور   مركز خدمة الموارد البشرية بالخدمة  تصدير 12 باخرة غنم وماعز ولا تأثير محلياً    9 آلاف طن قمح طرطوس المتوقع   مخالفات نقص وزن في أفران ريف طرطوس  المجتمع الأهلي في إزرع يؤهل غرفة تبريد اللقاح إحصاء المنازل المتضررة في درعا مسير توعوي في اليوم العالمي لضغط الدم هل يعود الخط الحديدي "حلب – غازي عنتاب" ؟  النساء المعيلات: بين عبء الضرورة وصمت المجتمع خطوة تخفف الآلام.. المفقودون ...وجع يسكن كل بيت محامون لـ"الثورة": المرسوم 19 حجر الأساس لإنصاف ذويه...