الإبـــــــداع … حـــكايـــــةُ خــــــــلود

الملحق الثقافي:حبيب الإبراهيم:

لم تتوقّف حكاية ُ الإبداع يوماً ما عند عصرٍ معيّن، أو فترة زمنيّة محدّدة، بل هو عملية تواصل مستمرّة، بدات منذ ظهور الإنسان الأوّل وما تركه من آثار ٍدلّت عليها الرسوم والكتابات على جدران الكهوف والمغاور، مروراً بالعصور المتعاقبة والتي شكّل الإبداع فيها، وفي مختلف المجالات حكاية خلود ابديّة، ومن يقرأ قصص الإبداع المتوالية يلحظ بلا أدنى شك أهميّة الإبداع في رسم ملامح الحضارة الإنسانية والتي لا تزال مستمرة حتى وقتنا الحاضر.
ومفهوم الإبداع يتجلّى باستقدام واختراع أفكار جديدة لم تكن موجودة من ذي قبل مع التركيز على الأفكار الجديدة والنتائج المنبثقة عنها، والإبداع بكل أنواعه وتشعباته لا يأتي من فراغ، أو من بيئة ضحلة الثقافة والمعرفة، بل يحتاج إلى بيئة وتربة خصبة إلى جانب الموهبة الشخصية، هذه البيئة تشكّل حافزاً مهماً للإبداع والإبتكار وتحويل الأفكار الإبداعية إلى واقع ٍملموس ،كما أن الوسط المحيط، أو ما يعرف بالبيئة المحيطة بدءاً من الأسرة واحتضانها للموهبة الإبداعية ورعايتها وصقلها مروراً بالمدرسة والتي هي الحاضنة الأساسية لتنمية المهارات الإبداعية واستنباط الأفكار الجديدة والخلاقة من خلال الأساليب والطرائق الحديثة في التدريس مثل العصف الذهني وحل المشكلات والتعلم التعاوني و…..يلعب المعلّم دوراً أساسياً ومحورياً في تهيئة تلامذته وتوجيههم نحو اختيار المهارات المناسبة لميولهم ومواهبهم سواء في الأدب أو الفن أو العلوم، إلى جانب المناهج المطوّرة والمتطورة والتي تواكب الحضارة والحداثة من كافة نواحيها ….
ولا يوجد مسطرة واحدة، أو مقياس واحد للإبداع، بل يرتبط بالفروق الفردية لدى كل شخص ….
والإبداع عند الفلاسفة (إيجاد الشيء من عدم ) بمعنى آخر اختراع الجديد والحديث من كل شيء، ومن يتتبع حكاية الإبداع على مر التاريخ يلحظ التراكمات المتتالية في هذا المضمار أو ذاك، ويتجلى ذلك بصورة واضحة وجليّة في ميدان الأدب بمختلف اجناسه، في الشعر والقصة والمقالة والمسرح والفنون بمختلف انواعه، وهذا يُعتبر إبداعاً عادياً أو يومياً ويندرج ضمن الإبداع اليومي، أو في سياق العمل، أما الإبداع الذي يصل إلى مرحلة الابتكار سواء في الأفكار أو المهارات فيعتبر إبداعاً نوعياً يمتد أثره لاجيال ٍ متعاقبة.
من يقرأ تاريخ الحضارات المتعاقبة قديمها وحديثها يلحظ تزايد وارتفاع منحنى الإبداع تدريجياً وصولاً إلى ثورة المعرفة والتقانة الحديثة التي نعيشها اليوم وربما ستكون في المستقبل أكثر دقة واختراعاً من خلال الغوص في التفاصيل الدقيقة والتي غايتها راحة ورفاهية الإنسان.
وقبل اختراع الكتابة خلّد الإنسان ما يجول في فكره وخاطره، وما يقوم به من أعمال وممارسات يومية أو طقوس حياتية، من خلال الرسوم والنقوش على الجدران أو المنحوتات على المعابد والمسلّات والتي شكّلت بمجملها إرثاً ثقافياً ومعرفياً وحضارياً لا تزال آثاره ماثلة حتى الآن.
ولو توقفنا عند الإبداع الأدبي والذي يُعدُّ الأكثر انتشاراً عبر التاريخ ،فلا بد أن نشير هنا إلى الملاحم والأساطير في بلاد الرافدين، والملاحم اليونانية والرومانية وشعراء العصر الجاهلي وصدر الإسلام ،إضافة إلى إبداع ونبوغ شعراء العصور التالية من أمثال الفرزدق، الأخطل، جرير، النابغة الذبياني، ابو فراس الحمداني، والمتنبي الذي شغل الدنيا وملأ الناس أدباً وشعراً خالداً، سيظل علامة فارقة على مرّ العصور والأزمان، وصولاً إلى شعراء وأدباء العصر الحديث والمعاصر أمثال ميخائيل نعيمة، نجيب الريحاني، الرصافي، الجواهري، طه حسين، الفيتوري، أبو القاسم الشابي، السياب، نازك الملائكة، إبراهيم طوقان، نزار قباني، بدوي الجبل، سليمان العيسى وغيرهم من مبدعين تركوا بصمات خالدة وأغنوا الفكر والعقل بإبداعاتهم ومؤلفاتهم والتي تعدّ إرثاً ثقافياً وحضارياً ساهم وبشكلٍ فاعل في التراث الإنساني العالمي.
وأخيراً.. يمكن القول إن حكاية الإبداع لا تنتهي عند حدّ معين، ولا تتوقف عند شخص ٍ ما، بل هي مسيرة متواصلة ومتتالية وهذا يحتاج بكل تأكيد – إلى جانب الموهبة – المِران والتدريب واكتساب المهارات، التي تصبُ في خانة الإبداع والتميز وهذا ما نأمله ونطمح إليه، أوالاشتغال عليه من خلال تحفيز وتشجيع الشباب لامتلاك مفاتيح الرّقيّ والتقدم ،مفاتيح المستقبل ….

التاريخ: الثلاثاء11-1-2022

رقم العدد :1078

آخر الأخبار
خطوات صغيرة وأثر كبير.. أطفال المزة  ينشرون ثقافة النظافة محافظ حماة يفتتح "المضافة العربية" لتعزيز التواصل مع شيوخ القبائل   " التعاون الخليجي" يجدد إدانته للعدوان الإسرائيلي على الأراضي السورية  البرلمان الأوروبي يدين  منع "إسرائيل " المساعدات عن غزة ويدعو لفتح المعابر  تفاقم أزمة المواصلات في ريف القرداحة  منحة نفطية سعودية لسوريا… خطوة لتعزيز الاقتصاد والعلاقات الثنائية  انطلاقة جديدة لاتحاد المبارزة  نتائج جيدة لطاولتنا عربياً  اتحاد الطائرة يستكمل منافسات الدوري التصنيفي الذكاء الاصطناعي يصدم ريال مدريد وبرشلونة مفاجأة ألكاراز.. تسريحة شعر خارجة عن المألوف الريال يواصل الغياب عن حفل (الكرة الذهبية) "عبد المولى" ينهي مهمته كمنسق أممي في سوريا حاملاً الأمل والتقدير للسوريين  المندوب الدائم لسوريا يسلم أوراق اعتماده إلى الأمين العام للأمم المتحدة  الرئيس الشرع يلتقي وفد المجلس السوري الأميركي   2.5 مليون دولار لدعم مراكز الرعاية  من مجموعة الحبتور   السعودية تمنح سوريا 1.65 مليون برميل دعماً لقطاع الطاقة وإعادة الإعمار  حملة “دير العز”.. مبادرة لإعادة صياغة المشهد التنموي في دير الزور إقبال كبير في طرطوس على حملة للتبرع بالدم  الشيباني: سوريا تدعم مبادرات السلام والاستقرار الإقليمي والدولي