الملحق الثقافي:خلود حكمت شحادة:
قضية جدلية تتكرر هل الزمان والمكان موجودان بشكل مستقل عن العقل؟ ماصحة استقلالهما عن بعضهما بعضاً؟!
من المسؤول عن حركة الوقت في اتجاه واحد فيما لو كانت هناك أوقات أخرى موجودة غير اللحظة؟
بحثت الفلسفة في مفهوم الزمن وأسهبت في بحثه ولم تخل أية حقبة
وأية ثقافة من دراسة ومناقشة هذا المفهوم، وقد ظهر الاختلاف بيِّنا وجليَّا بين من ينفي وجود الزمان ومن يعتبره وهماً
إن إشكاليات العالم بشقيه الإنساني والطبيعي تُمثل جذباً فلسفياً للعديد من الفلاسفة والمفكرين وتسهم في خلق أفكار وإشكاليات أخرى ناجمة عن الأولى وقد تكون ذات صلة مباشرة أو غير مباشرة بها.
يرتبط مفهوم الزمن ارتباطاً وثيقاً بالوجود الإنساني من ناحية وبالوجود العام من جهة أخرى ولذلك فهو ميدان مُثقل بالأهمية الفلسفية والفكرية والإبستمولوجية.
عن جدليات الزمن ومفهومه في الفلسفة حدثتنا الباحثة في الابستمولوحية ريم الخطاب موضحة نظرة بعض الفلاسفة للزمن وماهيته قائلة:
تناول العديد من الفلاسفة مفهوم الزمن وكان لكل منهم رؤيته وأهميته في مناقشة هذا المفهوم حيث تداخل مفهوم الزمن عند هرقليطس مع مفهوم التغير وارتبط به ارتباطاً وثيقاً، فالزمن من منظوره ليس تصوراً مجرداً بل تصور واقعي كامن في التغير أو هو بمعنى ما القدرة على التغير؟.
على المقابل من فلسفة التغير الهرقليطيسية ثمة الفلسفة الايلية والتي هي فلسفة الثبات الجوهري والسعي وراء الحقيقة الخالدة والثابتة وفيها اعتقد بارمنيدس أن الزمن صفة الوجود والعالم الحسي الذي هو عالم الحواس والزيف والوهم، أما الوجود الحقيقي فهو الوجود الثابت اللامتغير، هو الدوام والاستمرار السكوني للزمن.
أما أرسطو فقد تناول مفهوم الزمن بشقيه الذاتي والموضوعي: ربط أرسطو الزمن بالحركة فالزمن عند أرسطو هو عدد الحركة ولذلك يعرّف الزمن بالقول إن (الزمن هو عدد الحركة من قِبَل المتقدم والمتأخر، فليس الزمن إذن حركة، بل هو من جهة ما للحركة من عدد) أما بالتطرق لهذه الحركة فقد حددها أرسطو بحركة الفلك على اعتبارها أكمل الحركات والتي ترجع أساساً إلى الحركة الدائرية. أيضاً يُظهر أرسطو الجانب الذاتي للزمن في الحديث عن النفس الناطقة والتي هي المسؤولة عن عدّ هذه الحركة وبالتالي المسؤولة عن عدّ الزمن.
أما القديس أوغسطين فقد عبّر عن إشكالية الزمن وتعقد ماهيته عندما قال ما معناه إنّ «كلمة (الزَّمن) لا تقول شيئًا عمّا هو الزمن وإذا ما رغبت في إنتاج خطاب يجيب عن طبيعة الزمن فإنّ كلامي ينهار، أو يتفكك ما إن أبدأ فيه. علينا إذن أن نواجه ظاهرة مزدوجة من أغرب ما يكون: الزمن أولًا ليس شيئًا بالمعنى الاستعمالي للكلمة (فهو لا يملك نمط الواقع الذي تملكه طاولة أو كرسي). وثانيًا، فإنّ اللغة تنحسر أمام لزوم الحديث عنه.»
كما تطرق أوغسطين إلى نمط الوجود الشعوري والإنساني النمطي والملتصق بالتقسيمات الزمنية (ماضٍ، حاضر، مستقبل) فالماضي قد حدث وانتهى والحاضر هو في حدوث مستمر، أما المستقبل فهو دائماً ما لم يحدث بعد ولذلك فهي تقسيمات شعورية راجعة أساساً لأفكارنا عن العالم الخارجي وليست ناجمة عنه ذاته. فثمة علاقة وثيقة بين التقسيمات الزمنية من جهة والذات الإنسانية والشعور من جهة أخرى.
عالج كانط مفهوم الزمن (والمكان) في كتابه (نقد العقل المحض) وبدأ بالعرض الميتافيزيقي أولاً والعرض الترانسندنتالي ثانياً في محاولة منه للبرهنة على قبليته بوصفه حدساً حسياً ولايمكن أن يكون مفهوماً تجريبياً. كما أرجع كانط تصوراتنا الزمنية إلى قبلية الزمن بشكل أساسي فالزمن هنا معطى قبلي وأولي في الذهن وسابق على كل تجربة.
أما بالانتقال إلى المفاهيم المعاصرة للزمن لابد من التطرق إلى الفيزياء الكمومية ذات الافتراضات والمعايير التي هي الأقرب في معظمها إلى أن تكون فلسفية وحتى ميتافيزيقية إلى حد ما.
حيث يفضي بنا هذا الطرح إلى نمط جديد ومغاير من أنماط الفهم الزمني والذي هو نمط «عدم التعيين» فيما يتعلق بالمستوى الميكروي (المجهري Micro) كما نلاحظ اختلاطاً في رؤى الزمن الكمومي بين ذاتية تارةً وعدم تعيين تارةً أخرى وهذا راجع في أصوله إلى أن مبدأ عدم التعيين الكمومي ينطبق على كل ماهو موجود، فثمة ماهية موجودة في كل محاولة للقياس أو المعرفة، وبالتالي الزمن بحد ذاته هو مفهوم غير متعين بطريقة خالصة. فالزمن الكمومي غير محدد ولايمكن قياسه بشكل دقيق أما ذاتية الزمن الكمومي فتظهر في الأهمية التي تنسبها الكمومية للرصد في عملية التعيين من جهة أن الرصد في تفسير مدرسة كوبنهاغن هو الخالق أما في تفسير مدرسة التواريخ المنسجمة ومدرسة بوهم هو الناقل من حالة اللاتعين إلى التعين.
التاريخ: الثلاثاء11-1-2022
رقم العدد :1078