الثورة:
تمر هذه الأيام ذكرى رحيل واحد من أشهر الشخصيات السورية والعربية ومرب وعالم نفس ترك بصمة مهمة جدا ستبقى خالدة ..انه فاخر عاقل الذي رحل يوم ٢٨ كانون الثاني ٢٠١٠م .
وكانت صحيفة الثورة قبل ذلك بعدة أعوام قد اخترقت عزلته بدار السعادة في حلب وأجرت معه حوارا مطولا نشر على صفحتين لاقى صدى طيبا.. ومن ثم أثرى الراحل فاخر عاقل جريدة الثورة بمقال أسبوعي تحت عنوان ما قل ودل ظل يكتبه إلى حين رحيله.
استعادة
من الحوار المهم والاراء التي طرحها نستعيد بعضا مما طرحه وهو باق وكأنه قيل اليوم…
علموا المرأة
يجمع علماء الاجتماع على أن التخلف يقوم على ثلاث دعائم هي (الجهل , الفقر , المرض) ومن المؤسف أن نصف المواطنين العرب أميون , يجهلون القراءة و الكتابة , الأمر المأساوي أن بعض الدول العربية تزداد فيها الأمية بدلاً من الانخفاض , المهم أن 75 % من الأميين نصفهم من النساء , أي أن الأم التي يطلب منها تربية الطفل على الأسس القويمة هي الأم الجاهلة , بمقدار نصف الأمهات العربيات , من هنا كان قول العلماء: إن مكافحة التخلف يجب أن تبدأ بالتعليم و التربية أي وجوب محاربة الجهل , و من ثم يصبح من الميسور عند ذلك التغلب على الفقر بل أن يتقيه و كذلك المرض , و لذلك من واجب الأمم كل الأمم أن تهتم أكثر بالتربية و التعليم .
معلمو اليوم …
من المؤسف أن أقول إن بعض معلمي اليوم و ليعذروني منصرفون عن التعليم العام إلى التعليم الخاص إلى الدروس الخصوصية و الدورات التعليمية و ما تدره من أرباح , وهذا لم يكن شائعاً قبل 40 أو 50 سنة . إذ كان المعلم منصرفاً إلى مهنته و كان يعمل 6 ساعات كل يوم و يتابع أمور طلابه …
العلم مشاع…
ويشير د. فاخر عاقل إلى أنه استدعي ذات يوم من قبل القائد الراحل حافظ الأسد , و سأله عن حال الجامعات السورية , فأجاب د. عاقل بما هو حالها , و أثناء الحديث سألني السيد الرئيس عن البحث العلمي في جامعتنا و لم يكن البحث العلمي قد أخذ طريقه بعد الى الجامعات , و من ثم وجه القائد الراحل الى ضرورة الاهتمام بالبحث العلمي و توفير أسبابه ووسائل نجاحه و العمل على أخذ العلم أينما كان , و ضرورة أن تكون جامعاتنا في أفضل حالاتها و أن يرسل الطلاب للتخصص في البلدان التي يجب أن يذهبوا إليها و أن تكون الشهادات التي يحصلون عليها معادلة للشهادات التي تمنح لأبناء البلد الذين يدرسون فيه بكلمات أخرى أن يكون تحصيلهم العالي دقيقاً , وأن يتخرجوا باحثين وأن تكون لديهم القدرة على التطوير والتحديث .
لم نستفد من قانون البحث العلمي ….
لقد أعطى القائد الخالد حافظ الأسد الكثير الكثير وأصدر قانون البحث العلمي وهذا أيضاً ما وجه به السيد الرئيس بشار الأسد , ولكنني أقول وللأسف : لم نستفد من هذا التوجيه أو القانون , بصيغة أخرى لم نحسن الاستفادة من كل هذا العطاء , انظر إلى مكتبات الجامعات وإلى مخابرها .. الإمكانات موجودة فلم لا يعمل المسؤولون لم لايطورون ويرتقون بالبحث العلمي ..? ربما كان المردود المادي سبباً …. ربما فلقد كانت لي تجربة بعد تقاعدي إذ طلبت مني وزيرة التعليم العالي آنئذ بحثاً تعبت عليه فترة من الزمن , وحين دفعت المكافأة كانت / 900/ ل.س فأعطيتها للسائق ليشتري بها حلوى لأولاده ….
> أمام هذا الواقع الذي تراه ما العمل وكيف يمكن أن نتجاوزه ?
>> يمكن أن نتجاوز ذلك بسهولة ولاسيما أننا نملك الكثير الكثير ونستطيع أن نبني باستمرار على ما تأسس وذلك من خلال : إيفاد المتفوقين إلى البلدان المتقدمة , وإنشاء المخابر اللازمة وتطويرها باستمرار ….
و إدخال المجلات الاجنبية في المجال العلمي , وإغناء المكتبات بالمراجع العلمية الأساسية , ويجب أن نفعل ما فعله المأمون حين ترجم من اللغات اليونانية / الفارسية / الهندية / وأنشأ دار الحكمة , ويجب إعادة النظر في مجمع اللغة العربية ….
مجمع اللغة العربية
> هذا يدعوني لأسألك : لماذا لم تدخل مجمع اللغة العربية ….?
>> قدمت ماقدمت خدمة للعلم ولإيماني برسالتي , ألفت الكتب ووضعت المعاجم , ومع ذلك لست عضواً في المجمع لأسباب لا أريد الخوض فيها وهي أسباب شخصية لا أجد داعياً لذكرها .
> يحتفي العالم اليوم بالذكرى الخمسين بعد المئة لولادة فرويد …. كيف تقرأ فرويد ….?
>> من المعلوم أن علم النفس كان يعتبر جزءاً من الفلسفة , ويؤرخ لعلم النفس الحديث بعام 1879م حين أسس ( فونت) مختبره في لايبزغ بألمانيا , فونت كان عالماً فيزيولوجياً , وكان فونت يؤمن بأن للإنسان غرائز هي المسؤولة عن سلوكه تحركه حسب طلباتها , والذين جاؤوا بعد ( فونت ) من علماء النفس , وعلى رأسهم فرويد قالوا بأن الغريزة الجنسية هي محرك السلوك البشري , وقال إدلر تلميذه إن المحرك هو الحب .
فرويد ليس رائداً
فرويد ليس أول من قال بالغريزة الجنسية كمحرك للسلوك البشري وإنما سبقه إلى ذلك أستاذه الفرنسي ( شاركو ) الذي تتلمذ على يده فرويد بعد تخرجه من كلية الطب في فيينا وسفره إلى باريس حيث سمع ( شاركو ) يقول : إن الغريزة الجنسية هي محرك السلوك البشري وإن ( الليبيدو) هو الأساس في تصرفات الإنسان وأمراضه النفسية , ( شاركو ) هذا أول من قال بالمركبات ( العقد النفسية) وفرويد لم يكن أول القائلين بالتحليل النفسي , ولا بالعقل الباطن الذي كان معروفاً منذ القرن الثامن عشر , لقد عاد فرويد إلى فيينا ومارس التحليل فنجح حيناً وأخفق أحياناً فشد الرحال من جديد إلى فرنسا حيث تتلمذ على مدرسة (تانسي ) وأفاد منها.
الغريزة الجنسية ليست الأقوى ….
تعرف الغريزة الجنسية بأنها صناعة فطرية كاملة منذ الولادة مثل طيران الطيور الخ….
وإذا مانظرنا إلى السلوك البشري وجدنا أن الغريزة الجنسية التي جعل منها فرويد أول الغرائز ليست صناعة فطرية كاملة وإنما تختلف باختلاف الفرد والزمان والمكان والظروف وغير ذلك , ثم إن الغريزة الجنسية ليست أقوى الغرائز بدليل أن الجوع مثلاً يضعفها ولقد أثبت العلماء أن الأمومة أقوى من الغريزة , وبمعنى آخر حب الفأرة لوليدها أقوى من حبها للجنس.
الإنسان عنده دوافع وحوافز وليس عنده غرائز , ومن المعروف أن الدافع يرضي الحاجة والحاجة خلل في التوازن , وهي التي توجد الرغبة وتلبية الرغبات تعيد التوازن إلى الجسد والنفس ويسبب الرضا , والحاجات جسدية فيزيولوجية أو اجتماعية ثم إن الحاجات تتغير وتتطور .
علم النفس والفيزيولوجيا
باختصار أدى فرويد دوره ولكنه لم يكن الرائد , والتحليل النفسي اليوم أفل نجمه , والمحللون النفسيون قلائل , علم النفس الحديث يقترب رويداً رويداً من الفيزيولوجيا ويأخذ منها ويعطيها , وأود أن أشير إلى أن ابنتي هدى أستاذة في جامعة ( ميشغان) وهي اختصاصية في علم النفس وتعمل على معالجة الأمراض النفسية وقد تبرعت لها أسرة ب / 5/ ملايين دولار لكي تقوم بأبحاث في هذا المجال.
وأود أن أقول : إن فرويد أخطأ عندما تحدث عن الغريزة , فعلماء النفس الآن يتحدثون عن التسامي , فالإنسان بتطلعه إلى المثل الأعلى (اللّه) عز وجل يستطيع أن يتسامى وأن يحصل على قبس من نور ( اللّه) .
وأمر آخر لم يلحظ فرويد وقد لحظه تلميذه إدلر , الذي رأى أن الغريزة الأساسية هي حب التفوق , و( لونك) السويسري قال : إن الإنسان الحالي يحمل في طيات نفسه بقايا الأمور التي تعرض لها الإنسان طوال حياته منذ ألوف السنين , وفرويد كما أشرت متأثر بالعنف في التوراة.
> هل العالم في مأزق نفسي كما يستدل على ذلك من خلال مانراه من وطأة الحياة وتشعبها ….?
>> نعم العالم في مأزق نفسي , بل مأزوم نفسياً , لقد تعقدت الحياة في أيامنا في شبابي كان يكفي أن يكون لديك فراش ونحاس وأشياء فردية للحياة لكي تكون أسرة أما اليوم فضرورات الحياة تتعقد , والتطور المذهل في العالم يزيدها تعقيداً في التواصل والتفاعل , التداخل في الأنسجة الاجتماعية , وتخلي الأبوين عن دورهما لصالح الخدم …. وغير ذلك مما يجري في العالم يجعلني أقول نعم : العالم مأزوم نفسياً ويزداد تأزمه يوماً بعد الآخر …
أفتقد جيل الرواد ….
وحين سألته عن قراءته وعن رأيه بمبدعي اليوم أجاب قائلاً : لقد نكأت جرحاً , في القرن العشرين كان لدينا كتاب وشعراء مبدعون من أمثال : طه حسين / العقاد / الحصري / شوقي/ أبوريشة / البدوي / قباني/ الرصافي ….. كان لدينا علماء في مختلف فروع العلوم من الذي حل محلهم …. من تبوأ مراكزهم أين القامات الكبيرة …. سألت أستاذاً كان يعمل في قسم علم النفس في جامعة دمشق سألته عن الكتب الحديثة التي صدرت عن القسم فقال : لاشيء …. هل تريد أن أقول لك : إن أحدهم نقل فصولاً من كتبي ووضعها في كتبه حتى بأخطائها المطبعية …. هل أقول لك : إن أحدهم تقدم برسالة دكتوراه في التاريخ في جامعة اجنبية وكانت اطروحته ترجمة كتاب التاريخ للثالث الثانوي الأدبي …. هل تصدق ذلك ….?
– هذه نظريتي في علم النفس: الحب أهم حاجات الإنسان .وحين سألته عن حصيلة نصف قرن في التربية وعلم النفس وإذا ماكان قد شكل نظرية ما أجاب قائلاً ترجع صلتي بعلم النفس إلى عام 1936م حين كنت طالباً في قسم الفلسفة البكالوريا الثانية , ومنذ ذلك الحين لم تنقطع صلتي بعلم النفس , لقد كنت عضواً في الجمعية البريطانية , وكنت عضواً في جمعية علماء النفس الامريكية,ونلت أول دكتوراه في علم النفس في سورية ويحق لي أن أكون نظرية في علم النفس أقول هذا لاتفاخراً ولاتباهياً , وإنما أقوله لأقرر أن نظريتي لم تصدر عن تخيل أو عبث وإنما صدرت عن دراسة عميقة واطلاع واسع وتأمل جدي. الحب هو أهم حاجات الإنسان , الإنسان السوي بحاجة إلى أن يحب ويحب..
إن الإنسان الذي خلقه اللّه في أحسن تقويم مخلوق رجلاه على الأرض وبصره شاخص إلى السماء يقتبس منه النور ( نشرت النظرية في مجلة المعرفة عدد 502 / تموز).