الثورة – أديب مخزوم:
معرض الفنان التشكيلي موفق مخول في صالة مشوار, يقام تحت عنوان (ذاكرة الروح) متضمناً 33 لوحة جديدة ومنجزة خلال العامين الأخيرين (قياسات مختلفة – أكريليك وزيت ومواد مختلفة على كانفاس) شكلت الامتداد الطبيعي والمتطور لتجربته الطويلة ، ومعارضه العديدة، إضافة لمشاركاته في العديد من المعارض الجماعية الرسمية والخاصة.
والذين تابعوا افتتاح المعرض، شاهدوا كثافة الحضور ، حيث ضاقت بهم قاعات الصالة والفسحات المحيطة بها، رغم الجو الثلجي والبارد والعاصف ، وهذا يؤكد من جديد، أن للفن التشكيلي جمهوره الواسع، بخلاف ما هو شائع ومفتعل .
ولقد طرح المعرض من جديد جمالية التعامل مع عناصر الأيقونة والجماعات الإنسانية، وإشارات العمارة القديمة الظاهرة في الأقواس المنزلية والأبواب والنوافذ والجدران القديمة والبيوت الريفية الطينية وعناصر الطبيعة، وضمن النهج الحامل ملامح أسلوبية وتقنية، سبق وتميز بها الفنان منذ سنوات طويلة، واتخذها كمدخل لاقتناص بؤر الضوء القوية على خلفيات معتمة وخافتة .
واللافت في تجربة الفنان مخول المتواصلة دون توقف او انقطاع , ذلك الحضور المكثف للأشخاص المتجمعين على هيئة قديسين تحيط وجوههم هالات من النور، على أرضية خافتة أو معتمة ، دون التقيد بمنظورية البعد والعمق المتبعة في الرسم التقيليدي الواقعي، كما يظهر اللون الذهبي في أماكن متفرقة من بعض اللوحات، وهذا يقرب اللوحة أيضاً من أجواء الأيقونة الحديثة . وهو اذ يبتعد عن توجهات ومعطيات الفنون الاستهلاكية، ويطلق مشاهد وعناصر لوحاته نحو الرؤى الحلمية ، فإنه لايفصح عن معالم الخيال فقط، بل يقترب من الحالة الرمزية في دلالاتها الروحية والإنسانية, ويدخلنا في أجواء بصرية تراثية معمارية في الخلفيات، قادرة على التواصل مع معطيات ثقافة وجماليات فنون العصر.
وهذه المظاهر البصرية المنضبطة والعفوية في آن، والمقروءة في مساحة اللوحة , تجعله يغوص في المسائل التقنية الحاملة ثمرة وخلاصة تجربته الطويلة, ليحقق درجة من الخشونة أو الكثافة اللونية في أماكن متفرقة من بعض لوحاته الجديدة , وليصل إلى التأليف الفني , الذي يحافظ على المناخ البصري الخاص الشاعري والروحاني .
ولوحات موفق مخول الجديدة تحمل كل انفعالات السخط والقلق واليأس والمرارة ، وهي محاولة للتعبير عن أحاسيس الإصابة بقلق حياتنا ومعاناتنا الراهنة ، من خلال التركيز على الجماعات الإنسانية الواجمة والخائفة والمضطربة والمتوترة، والبعيدة كل البعد عن المظاهر الصالونية الاستهلاكية والاستعراضية.
فمع معطيات لمساته العفوية المتحررة نجد أن لوحاته (التي تربط بين الماضي والحاضر) تتجه أكثر فأكثر نحو التكثيف التعبيري والرمزي، الذي يوحي بالتوتر والتصدع والاصطراع، في انحيازه الواضح لإبراز قلق الجماعة ووجعها وسط هذا الخراب والدمار والقلق الذي يلف واقعنا الحياتي الراهن.
هكذا تتشكل في تداعيات شخوص لوحاته هموم لا تحصى وأوجاع لا تنتهي ، وهي تقع بين الشخوص الحاملة ملامح عمرية متفاوتة، وتلك الشخوص الموجوعة مستمدة من بيئته وواقعه وفلكلوره وذاكرته الروحية والطفولية ، إنها شخوص قادمة من ثنايا الأزمنة والحزن المزمن ، حيث يستعيدها مراراً في لوحاته ، وبطريقة متدرجة بين الأيقونة الحديثة والأداء التعبيري العفوي.
هكذا تتنقل موضوعاته الجديدة بين اللقطات البائسة للقديسين والأشخاص ، والعناصر التشكيلية البحتة، كما تأخذ اللوحة في أحيان كثيرة شكل البناء المعماري بعناصر اللوحة الشاقولية والأفقية، والنواحي الجمالية في اللوحة ، والتي يجسد من خلالها إيقاعات اللون، واندفاعاته العفوية ،والتي تقوم أصلا على التصادم الجمالي الحركي الكونتراستي، بين الإيقاعات اللونية المتوهجة والخافتة على سطح اللوحة، تبدو مكملة للبؤس والعذاب الإنساني، الذي يأخذ شكل المأساة الكاملة .
هكذا يمكن الاقتراب من عالم لوحاته وتحليل معطياتها التشكيلية والتعبيرية التي تختصر مع تطلعات الجماعات الإنسانية الهلعة، أجواء التوتر والقلق والاضطراب، للتعبير عن حدة المفارقة بين الحياة والموت، بين السكون والحركة، وبين الصمت والتفجير.
هكذا تبدو المدلولات التعبيرية الإنسانية في لوحاته، ومظاهر التحوّل إلى أجواء اللمسة اللونية التجريدية، التي برزت في مراحل سابقة، في خطوات الوصول إلى تشكيل جديد أكثر نورانية وروحانية ومأساوية، وضمن اتجاه ما يسود من اهتمامات الحركة الفنية الحديثة والمعاصرة، ولقد أصبح يتفاعل مع رغبات اختصار الشكل الواقعي، والتعبير عن مشاعره الذاتية بضربات لونية انفعالية، تفجر الأحاسيس المدفونة، في خطوات قطف نبض الاختزال والتبسيط ، وما يسمى بإيقاع اللون المتحرر، الذي يدفع العين نحو تحسس موسيقى اللوحة ، ومهما اختزل عناصره ، فإنه يبقى في هذه المرحلة، عند ضفاف الشكل، حيث يقترب من واقع لوني يشير إلى وجود أشخاص وجماعات مجتمعة أو متفرقة.