الثورة – محمود ديبو:
أي مبرر ذاك الذي قاد الأسعار صعوداً خلال الأيام القليلة الماضية وبشكل (مفضوح) وبلا وجل، سؤال لا تزال أصداؤه تتردد في أوساط المستهلكين وهل لتلك الارتفاعات غير المفهومة علاقة مباشرة أو غير مباشرة بتطبيق مشروع إعادة هيكلة الدعم وإيصاله إلى مستحقيه الحقيقيين؟
فمنذ الأيام الأولى التي بدأ فيها التمهيد لإطلاق مشروع الدعم بصيغته الجديدة بدأت الأسواق تشهد ارتفاعات بالأسعار أو لنقل بدأت الأسعار تتسلل صعوداً نحو عتبات جديدة متجاوزة كل التوقعات ومخيبة لكل الآمال بمرحلة هادئة للأسواق في ضوء تراجع القدرة الشرائية لشريحة واسعة من المستهلكين والمفروض أنهم يعتبرون المحركين الأساسيين للأسواق من خلال عمليات الشراء.
فإذا كانت مساعي الجهات المعنية في الحكومة والمؤسسات ذات الصلة تتجه نحو دعم الشرائح الاجتماعية (الأكثر هشاشة) وتفكر في كل السبل التي تؤدي إلى هذه النتيجة، خاصة من خلال مشروع الدعم، فلقد كان من المهم أيضاً أن يكون هناك متابعة لحركة الأسواق والتأرجح المستمر للأسعار، كأحد الوسائل والسبل التي تدعم توجهاتها بحماية تلك الشرائح الضعيفة والتي شهدت أوضاعها المعيشية تراجعاً كبيراً ومستمراً إلى درجات غير متوقعة.
يأتي هذا في وقت توقع فيه اقتصاديون بأن تطبيق إعادة هيكلة الدعم سيرافقها صعود كبير بأسعار السلع والمواد وخاصة الأساسية والغذائية وهذا ما حصل فعلاً، لدرجة أن المستهلك وخاصة (المدعوم) شعر بأن الميزة (النسبية) التي أعطيت له من خلال الدعم لكونه من الشرائح الضعيفة تم استلابها مباشرة في الأسواق ودون أن يكون هناك أي إجراء يوقف هذا الاستلاب..
ومرة أخرى يطل الاحتكار بوصفه العامل المباشر والأساسي في تحريك الأسعار صعوداً دون أن تتمكن باقي الحلقات التجارية من أن تكون مؤثرة في مواجهة هذا الصعود، وذلك بسبب غياب عامل المنافسة والذي هو الأساس في استقرار الأسعار أو على الأقل تثبيتها عند حدود معينة لا يمكن أن تتجاوزها.
هو إرباك معيشي غير محمول تواجهه الشريحة الأوسع من المجتمع دون أن تمتلك أي من أدوات المواجهة، في ضوء محدودية الدخل، مع الإشارة هنا إلى أن نسبة كبيرة من هذه الشريحة الأضعف هي من العاملين في الدولة والمستمرين في تشغيل المؤسسات والدوائر والشركات الإنتاجية والخدمية العامة.
في ضوء هذه الصورة وبالتوازي مع تطبيق مشروع إعادة هيكلة الدعم، كان من الضروري أن يتم لحظ تدابير تواكب التطبيق بحيث تتصدى لما تقوم به بعض قوى السوق من تأثيرات مباشرة، وصفها البعض بأنها محاولة للتعويض عن قيمة الدعم المرفوع عنهم بعد استبعادهم من فئة (المدعومين).
هي ذرائع غير مقبولة اجتماعياً ولا أخلاقياً ولا تجارياً ولا تحت أي مسمى، ولعل البعض يمكن أن يراها إجراءات للتشويش على مشروع إعادة هيكلة الدعم وتحميله المسؤولية في زيادة الأعباء المادية على المواطنين من قبل شرائح المتحكمين بالأسواق والمحتكرين لبعض السلع والمواد الأساسية، وفي هذا تحد لا يحتمل الانتظار وتركه يعبث بمصير ملايين المواطنين دون أن يكون هناك من يلجمه.
الأسواق اليوم في حيرة، فبائع المفرق يجهل ما ستصل إليه الأمور ولا يعرف إن كانت الأسعار ستهدأ عند هذا المستوى، أم أنها مرشحة للصعود مجدداً، في وقت لا يلمس المستهلك حدوداً لطموح بعض المتحكمين بالأسواق في جمع الأرباح وتكديس الثروات على حساب الفئات الضعيفة.
إن خلق توازن اجتماعي هو أهم عامل من عوامل استقرار المجتمعات، ولا ضير بوجود طبقات ميسورة وربما تعيش حالة رخاء كاملة، لكن على ألا يكون الغالبية العظمى من المواطنين يعيشون واقعاً صعباً وغير قادرين على تأمين قوت يومهم، بالنظر إلى ما ستؤدي إليه هذه الحالة غير الصحية في المجتمع، من أمراض اجتماعية وأخلاقية مردها العامل الاقتصادي والنقص الكبير في الاحتياجات وعدم تلبيتها بالشكل المطلوب.
ففي وقت تجد فيه من هو قادر على شراء ربطة الخبز بالسعر غير المدعوم من الباعة الجوالين (1500 ليرة)، نجد أن هناك مئات الأسر التي باتت بلا خبز لأن مخصصاتها لا تكفي جميع أفراد الأسرة، ولأنهم غير قادرين على شراء الخبز بالسعر غير المدعوم.
هي معادلة باتت تؤثر بشكل واضح على أداء المجتمع والأفراد، وباتت تقود إلى واقع محرج قد لا يستمر طويلاً، وربما يذهب نحو انزياحات غير محسوبة، فالخلل واضح في ميزان الحسابات بعد انكسار مبدأ النسبة والتناسب، بحيث نجد أن الواحد يقابله مئات الألوف وهذا غير صحيح في سياق الحديث عن مكونات المجتمع الواحد.