الثورة – هفاف ميهوب:
الكلماتُ لا تمنحنا الواقع فحسب، بل قد تدافع عنه نيابة عنا، ومن خلال شعراء وأدباء وكتّاب مبدعين، رآهم الأديب والمفكر الأرجنتيني “ألبرتو مانغويل”، قادرين على جعل العالم أقل تعصّباً وحقداً، وأكثر وداً وتآلفاً، ولأنهم حسب قوله: “يوجِدون الأشياء، مانحين إياها هوية جوهرية، قابعين في زوايا ورشاتهم، ومنجرفين مع تيارات باقي البشر.. يعكسون العالم في تشظّياته وتغيّراته المستمرّة، مثلما العالم الخارجي لمجتمعاتهم، ليصبحوا وكما أسماهم الشاعر النيكاراغواني “روبن داريو”.. “قضبان إضاءة سماوية”، وعبر التساؤل مراراً وتكراراً: من نحن؟!!.. وعبر تقديم طيف إجابة، في كلمات السؤال نفسه، ما يجعل من المبدع شخصية مربكة في مجتمع يتوق إلى الاستقرار والفعالية، كي يحقق أقصى منفعة ممكنة”..
لم تكن هذه الأسباب وحدها، هي من دفع “مانغويل” لبناء مدينته.. مدينة الكلمات التي كان السبب الأكبر لتشييده لها، إيمانه بأن الكلمات التي يقرأها أو يكتبها، تصنع قصصاً هي قصص الإنسان والحياة، وبأن هذه القصص بإمكانها شفاؤنا وتنويرنا، مثلما تبيان الطريق لنا.. ذلك أنها “تخترق المظهر الزائف للأشياء، وتغذّي وعينا، ما يقودنا إلى مَلَكة معرفة أننا موجودون على الأقل، إن لم يكن معرفة ماهيّتنا..”..
لا شك أن إيمان “مانغويل” هذا، هو ما جعله يسعى وعبر أعمال عديدة قدمها، لتأسيس مدينته هذه، وعبر القراءة والابتكار والسرد، وتضافر هذه الفنون بطريقةٍ يكمل كلّ منها الآخر، وتجعل الكلمات تخترق إحساسنا بالواقع، فتعلمنا وتوجهنا وتتيح لنا مكاناً لا محدوداً.. مكانٌ لا يمتثل فيه المبدع لأي نظام طالما بإمكانه بناء مدينته المتخيّلة، حيث تتعارض المُثل أو تتشابه.. مدينة الكلمات التي تُبنى، عبر القصص التي قال عنها: “القصص باقية أبداً، وهي ذاكرتنا، والمكتبات مخازن تلك الذاكرة”.