كانت إيجابية وخطوة في الاتجاه الصحيح، مبادرة إحدى المنظمات الدولية، المتمثلة بتوزيع عدد من آلات الحراثة “العزاقات” على الفلاحين في مناطق جبلية بمحافظة اللاذقية.
خطوة هامة باتجاه تلمس مكمن وأوجاع الزراعة في تلك المناطق التي تضيق فيها وتتراجع المساحات والحيازات المستثمرة لأسباب شتى، أهمها غياب الأساليب التقليدية للحراثة والعمليات الأخرى لإتمام العملية الزراعية.
الخطوة رمزية… ولو أنها غير كافية، إلا أنها حساسة وهامة.. فتوزيع أدوات الحراثة يعني أننا بذلك قدمنا أهم ما يجب لتحفيز الفلاحين لاستثمار أراضيهم، بما أن المناطق الجبلية خصوصاً تعاني من خروج شبه كامل لأراضيها الزراعية من الاستثمار بسبب تخلي الفلاح عن الأدوات التقليدية في الحراثة، وعدم تمكنه من اقتناء الأدوات الحديثة، وزاد في الأمر سوءاً شح الوقود اللازم لمختلف مراحل العملية الزراعية.. وبالتالي اقتصر المشهد الزراعي على الأشجار المزروعة بعلاً، ولاسيما الزيتون بالدرجة الأولى بما أن شجرة الزيتون شجرة حراجية، إضافة إلى الزراعات الموسمية ولاسيما القمح والزراعات العلفية لقطعان الماشية المنزلية..
وهذا يعني أن سكان هذه المناطق باتوا مستهلكين للإنتاج الزراعي بعد أن كانوا مكتفين، بل ويضخون الفائض للأسواق في المدن.
مبادرة المنظمة المذكورة يجب أن تكون فاتحة لأن تحذو الحكومة حذواً مشابهاً، عبر مشروع متكامل يعلن عنه رسمياً لتمويل شراء العزاقات و أدوات الحراثة الآلية، وبذلك تكون اللبنة الأولى في تأسيس بنية إنعاش الزراعة في هذه المناطق بما إنها حالياً معطلة، وهذا ليس مجرد كلام وتكهنات وإنما الوقائع على الأرض تؤكد ذلك.
نعلم جميعاً أن المناطق الجبلية كانت ترفد المدن القريبة يومياُ بمنتجاتها من الخضار والفواكه والألبان والأجبان، لكن اليوم انقلبت وجهة الإنتاج فباتت وسائل النقل التي كانت تنقل منتجات الأرياف إلى المدن تشحن احتياجات القرى من أسواق الهال في المدن، وانتشرت محال بيع الخضار والأجبان والألبان في الأرياف، تماماً كما هو الحال في المدن، أي تحول سكان الأرياف من منتجين إلى مستهلكين لمنتجات كانت جزءاً من مفردات يومياتهم وتراثهم، فأصبحوا عبئاً على أنفسهم أولاً لأنهم خسروا مقومات هامة في حياتهم.
تشكل المناطق الجبلية نسبة غير بسيطة من إجمالي المناطق المأهولة في البلاد، وفيها كثافات سكانية تزداد سنوياً على شكل متوالية صاعدة، فلا يجوز أن تبقى هذه المناطق فاقدة لخاصية الاستثمار الزراعي بشقيه النباتي والحيواني، لأنه أهم مقوم من مقومات تثبيت الأهالي في قراهم وثنيهم عن الهجرة إلى المدن.
إلا أن ذلك يتطلب دعماً حكومياً تتشارك فيه وزارات الزراعة والإدارة المحلية والشؤون الاجتماعية.. وهذا ما يجب ألا يتأخر.
الكنز – نهى علي