الثورة – تحقيق – حسن العجيلي:
” أنا في موقف لاأحسد عليه وحزني مضاعف فالقاتل أخي والمقتول شقيقي ” بهذه الكلمات بدأ ” معن ح ” حديثه للثورة، مضيفاً بأن أسباباً كالغيرة والحسد ربما هي من دفعت أخوه غير الشقيق لقتل شقيقه ” فضل” في جريمة هزت ريف حلب الشرقي مطالباً أن تكون القوانين رادعة لمثل هذه الحالات حتى لا تتكرر.
* تعددت الأساليب..
الجرائم العائلية ظاهرة وإن كانت موجودة سابقاً إلا أنها ازدادت وانتشرت بكثرة في عدة محافظات أو لنقل أغلبها في السنوات الأخيرة وتنوعت بين القتل والسرقة والتعذيب، أو تلفيق حوادث الاختطاف بقصد الحصول على الأموال سواء من الأب والأم أو الأخوة والأقارب، ولعل الحادثة الأبرز التي هزت المجتمع السوري نهاية العام الماضي كانت حادثة “آيات الرفاعي” التي توفيت على يدي زوجها ووالديه، واستمرت تداعياتها والتحقيق فيها حتى مطلع العام الحالي، ولتتكرر بعدها حوادث أخرى في عدة محافظات كان مجموعها نحو 21 حادثة ضمن العائلة منذ بداية العام كما رصدناها عن القناة الرسمية لوزارة الداخلية على التلغرام.
هذه الجرائم تعكس خللاً في المنظومة الأخلاقية والتربوية والقيمية، فعندما تشارك ابنة بدس السم لأمها بقصد سرقة مصاغها الذهبي، وعندما يقتل شاب والده بعصا خشبية على رأسه وهو نائم، أو تسرق سيدة مصاغ زوجتي ولديها وابنتها، أو زوجة تشارك وتخطط لقتل زوجها أو العكس يكون المجتمع أمام نوع خاص من الجرائم لم نعتد عليه سابقاً.
* مرتكبها مجرم غير عادي..
تعرّف الدكتورة “فاتن وردة” الاختصاصية بعلم النفس الاجتماعي ونائب عميد كلية التربية بحلب مرتكب هذه الحالة الجرمية بأنه مجرم غير عادي، هو مجرم ضمن نطاق الأسرة، والمجرم عموماً هو إنسان يتصف بسلوك مضاد للمجتمع وكاره للمجتمع ولديه مجموعة من الرغبات والدوافع يحققها بأسلوب مضاد ومنافٍ للقيم الاجتماعية بالمجتمع، وبأنهم “أي المجرمون” أشخاص يتصفون بضعف التكيف سواء مع أنفسهم أو المجتمع المحيط بهم، ولديهم ضعف بالقيم والأخلاق والقيم الاجتماعية والمعايير، مضيفة وبما أن الجريمة تكون ضمن الأسرة فمعاني الأسرة وأهميتها ودلالاتها غير موجودة لديهم، وبالتالي قيمة الأب أو الأم أو الأخ منتفية تماماً لديهم، ويمكن أن تلجأ هذه الشخصية الإجرامية لقتل أي أحد من أقربائها أو سرقتهم أو تعنيفهم.
* شخصية مضادة للمجتمع..
وأشارت الدكتورة “فاتن” إلى أنه من أكثر الصفات التي تتصف بها هذه الشخصية هي تبلد بالشعور ومستوى ذكاء منخفض أو ذكاء موظف للشر تجاه المجتمع والأسرة وعتبة إحساس منخفضة جداً تؤدي لأن يؤذي أو يقتل أي شخص قريب عليه بدم بارد ودون شعور بالذنب أو الألم أو الندم.
وترى الدكتورة “فاتن” أن أسباب هذه الحالات إما وراثية حيث تلعب الوراثة دوراً مهماً بهذه الحالات أو أن تكون لدى المجرم شخصية أكثر ميلاً للنمط “السايكوباتي”، وهو اضطراب الشخصية المضادة أو المعادية للمجتمع أو نتيجة عوامل نفسية واجتماعية، مضيفة بأن ما شهدته سورية من حرب أدى إلى ظهور الجريمة بشكل كبير ربما كان سببها غياب سلطة الدولة في بعض المناطق، فشعور الناس أنهم بلا قيود يستطيعون تنفيذ ما يريدون وخاصة أصحاب هذه الشخصية “السايكوباتية” فيقومون بارتكاب جرائم ظناً أنها ستمر دون عقاب.
* غياب الضبط الداخلي والخارجي..
ويوافقها الرأي المحامي “إبراهيم بدور” مؤكداً أن الحرب العدوانية المدمرة التي استهدفت وطننا على مدار العشر سنوات الماضية وآثارها السلبية الكثيرة التي انعكست على مختلف مناحي الحياة، كانت سبباً رئيسياً في انتشار هذه الجرائم، إضافة إلى تراجع التربية المنزلية والمدرسية وغياب القيم والمثل الأخلاقية والدينية الفاضلة، وانتشار العنف وحيازة السلاح، وازيادة نسبة البطالة وانخفاض الدخل وارتفاع الأسعار وخاصة بالنسبة للمواد الأساسية نتيجة الحرب الاقتصادية والحصار الظالم وقانون قيصر.
وتشير الدكتورة “فاتن” كذلك إلى ضعف الوازع الديني والأخلاقي عند هؤلاء الأشخاص لأن الإنسان يضبط سلوكه ويتحكم به إما خوفاً من القانون وسلطة الدولة أي ضبط خارجي أو ضبط داخلي والمقصود به الضمير والأخلاق والدين والعرف والعادات والتقاليد هي عموماً قيم تقوم أو تساعد على ضبط السلوك، منوهة إلى أن هذه الحالات تشير إلى اعتقاد مرتكبي مثل هذه الجرائم أن الضبط الخارجي غير موجود وأن أجهزة الدولة منشغلة عنهم بحربها ضد الإرهاب، مع انعدام الضبط الداخلي عند هذه الفئة أو يكون مستوى الضبط الداخلي منخفض جداً فكانت البيئة خصبة لظهور الجريمة وخاصة في نطاق الأسرة الواحدة.
* عقوبات مشددة..
المحامي بدور يوضح “للثورة” بأن المشرع السوري لحظ في قانون العقوبات السوري العقوبة المشددة، فاعتبر صلة القرابة التي تربط بين الجاني والمجني عليه في جرائم القتل المقصود سبباً لتشديد العقوبة، حيث نص في المادة /535/ عقوبات عام على عقوبة الإعدام لمن يرتكب جريمة القتل عمداً أو تمهيداً لجناية أو تسهيلاً أو تنفيذاً لها (كارتكاب جريمة القتل للسرقة مثلاً) أو القتل لأحد أصول المجرم أو فروعه وذلك نظراً لخطورة هذه الجرائم وآثارها على صعيد الأسرة والمجتمع.
ويتابع المحامي “بدور”: أما في جرائم السرقة (البسيطة أو العادية أو الموصوفة أو السلب بالعنف) أو إساءة الائتمان التي يرتكبها الأقارب فكان للمشرع رأي مختلف حيث نص في المادة /660/ عقوبات عام على تخفيض ثلثي العقوبة إذا كان المجني عليهم من أصولهم أو فروعهم أو أزواجهم أو من ذوي الولاية الشرعية أو الفعلية عليهم ويعفون من العقاب إذا قاموا بإزالة الضرر، وسبب الإعفاء هنا والذي ورد على سبيل الاستثناء خلافاً للأصل هو توفر صلة القرابة أو الزوجية، وحرص المشرع السوري على استبقاء علاقات الود بين أفراد الأسرة والأزواج والأقارب، والخشية من أن تتكشف أسرار عائلية من مصلحة الأسرة والمجتمع الإبقاء عليها طي الكتمان.
* علاج طبي ونفسي..
وعن علاج هذه الظاهرة والحد منها تؤكد الدكتورة “فاتن” بأن هؤلاء الأشخاص بحاجة إلى علاج مكثف، وأن يتم تحويلهم إلى مصح كونهم يحتاجون رعاية طبية ونفسية بشكل كامل لأن الجريمة أصبحت واضحة في سلوكهم، منوهة إلى أنه من الممكن للإنسان أن يتعدل سلوكه ولكن يحتاج إلى درجة من الضبط وسيطرة من المحيطين ودرجة عالية من الانتباه، مشددة على رعاية خاصة للأطفال الجانحين ومراقبة سلوكهم وضبطهم حتى لا تتطور لديهم حالة السلوك “السايكوبات “، والذي يأخذ عدة أشكال منها القتل والسرقة والدعارة والمقامرة والمخدرات وأخطر أشكالها القتل وإيذاء الآخر.
* الاهتمام بالأسرة..
بينما يؤكد المحامي “بدور” وللحد من هذه الجرائم على ضرورة الاهتمام بالأسرة وإبراز دورها وأهميتها على صعيد الفرد والمجتمع، وتفعيل دور المؤسسات التربوية والاجتماعية والدينية والإعلامية من أجل زيادة وعي الأفراد، وغرس القيم الأخلاقية والدينية الفاضلة لديهم، وتأمين فرص عمل وزيادة الرواتب والأجور لردم الهوة الكبيرة بين الدخل والمصروف واستمرار دعم الدولة للمواد المعيشية الأساسية وتوجيه الدعم للمستحقين بشكل حقيقي، وتعزيز هيبة الدولة، وتطبيق أحكام القانو ن وفرض العقوبة المناسبة تبعاً لظروف وملابسات كل قضية.
* الوقاية مسؤولية جماعية..
السلوك العدواني تجاه أفراد المجتمع وخاصة ضمن البيئة المحيطة أو العائلة ظاهرة خطرة، وعدد الحوادث التي حصلت في عدد من المحافظات يستدعي الانتباه والبدء بإيجاد الحلول الجذرية ليس لهذا النوع من الجريمة على أهميته الاجتماعية ولكن الجريمة بشكل عام والتي كانت سابقاً تبقى حالات نادرة لاتشكل ظاهرة كبيرة وهو ما يستدعي تضافر كافة المؤسسات والهيئات الرسمية والاجتماعية.