الثورة – أديب مخزوم:
مرت الذكرى السنوية الثانية لرحيل الفنان تركي محمود بك ، الذي بدأ أسمه يؤكد حضوره في الساحة التشكيلية السورية ، منذ مطلع السبعينيات ، ولقد تابع حتى لحظة رحيله، مسيرته الطويلة مع الفن التشكيلي، الذي يجمع الأجواء التراثية الشعبية والعناصر الزخرفية والحروفية مستعيداً في كل مرة شاعرية التواصل مع شعار (التراث والمعاصرة) الذي سبق واتخذه عنواناً لسلسلة من أعماله، التي كان يقدمها في المعارض الرسمية والخاصة داخل سورية وخارجها .
ويذكر أنه من أوائل الفنانين الذين قدموا في المعارض المحلية رسومات وتشكيليات على مجسمات فراغية، ونجد الأشكال الإنسانية والحروفية والزخرفية متداخلة في أعماله بطريقة عقلانية تميل إلى الرصانة أكثر من الاعتماد على الانفعال والعاطفة.
وهو يركز على إبراز إيقاعات الحروف العربية في صياغة تتجاوز الأنماط الكتابية المعروفة، وفي الوقت الذي كان يؤكد فيه على حضور التشكيلات الإنسانية والعناصر الفولكلورية في اللوحة، كنا نراه يسعى في لوحات أخرى لتجاوز السياق التصويري التشكيلي والوصول إلى لوحة تجريدية، مبنية على إيقاعات غير مقروءة أو تحتاج على الأقل إلى متخصص ليتمكن من حل إشاراتها وإيحاءاتها الدلالية، وفي أعماله وجدنا أقتراباً واضحاً من أجواء التشكيل الحروفي والزخرفي والهندسي، بحيث تحولت اللوحة أحياناً إلى حركات خطية مرسومة بالأسود وتتقاطع أفقياً وعمودياً بزوايا قائمة، وإن كانت تتخللها بعض الالتفافات الدائرية والنصف دائرية والتي تحوّل اللوحة إلى فسحة نرى فيها عناصر معمارية وحيوانية تحددها حركة الحروف ذاتها.
هكذا أصبح الحرف العربي في لوحاته ، مجرد مدخل للوصول إلى فضاء تشكيلي حر، يخضع لمقومات البحث عن لوحة حروفية حديثة، خارجة عن إطار الصياغة التقليدية، ولقد أضفى مزيداً من الحركات الحرة التي يمكننا أن نقرأ فيها الكثير من العناصر الفنية التجريدية، رغم الاقتراب في أحيان أخرى من هاجس البقاء في إطار العناصر الإنسانية القادمة من عمق التاريخ ومن ذاكرة الشمال السوري في مدينته دير الزور ( التي ولد فيها عام 1939) .
وعلى هذا يمكننا أن نجد في أعمال الفنان الراحل، عناصر حضارية أو إنسانية أو معمارية أو فولكلورية، تتأتى وتتهافت عبر حركات حروفية تلقائية تتداخل وتتشابك، ذاهبة إلى البحث عن تركيب المساحة، بحيث تدخل في محاولة التخلص من الفراغ أو من لون أرضية اللوحة التي هي جزء من لوحته المرسومة على الخشب بالزيت أو بمواد مختلفة، والبعيدة كل البعد عن طرق التلوين العبثي السائدة بكثرة في التجارب الحروفية التي أطلقتها معارض العواصم العربية منذ مطلع سبعينات القرن الماضي ، وخاصة جماعة البعد الواحد ومنظرها الفنان العراقي الراحل شاكر حسن آل سعيد.