الملحق الثقافي: لينا ديوب:
ليس الصحفي أو الصحفية وحدهما من يشترطا كاميرا بدقة عالية ومواصفات متقدمة بهاتفهما لاقتنائه، بل جميع من يقتني الهواتف الذكية، الصورة حاضرة بقوة وعلى صفحات الغالبية وتؤدي دوراً مضاعفاً، يدفعنا للسؤال: هل تأثيرها اليوم يفوق تأثير الكلمة ليس في يوميات الناس على صفحات التواصل الاجتماعي فقط، أو في الإعلام وإنما في الثقافة الإنسانية برمتها.
الخطاب الخفي
لعل سحر الكلمة في سياق نص كثيف، لن ينافس الصورة اليوم التي تتميز عنها بقدرتها اللامتناهية على التغلغل في الوعي، بما تحمل من سحر بجوانبها الفنية البصرية التي تدخل اللاشعور دون جهد، بوصفها خطاباً خفياً يستطيع التسلل إلى العقل والشعور كنص لا يحتاج لتفسير.
ليست المجتمعات المتقدمة فقط من تعيش على إيقاع التقدم التكنولوجي اليومي، بل المجتمعات النامية أيضاً، حتى تحول الهاتف الذكي إلى حاجة يومية تستحيل الحياة بدونه.
لم يعد غريباً أن يتناول حفيد أي منا الذي لم يتجاوز سنته الرابعة هاتفنا وبإصبعه الصغيرة يغير صورة الخلفية وإخبارنا أن صورتنا غير ملائمة، والسباحة في عالم الأنترنيت واختيار مقاطع من اليوتيوب لبرامج يفضلها، واختيار لعبة الكترونية، والتقاط صورة السيلفي لكلينا.
الحفيد والحفيدة واليافعون واليافعات وطلاب وطالبات الجامعات هم الجيل الجديد الذي أسميناه جيل الأنترنت والموبايل لنقول بذلك إنه منعزل أمام شاشته وبعيداً عن حركة الحي والحديقة وعن جماليات الطبيعة أيضاً والخوض في نقاشات جماعية مع الأهل والأقران.
لم يعد الإنسان المعاصر قريباً من الطبيعة وجمالياتها، أصبح الجمال من وراء شاشات تصور، وتدقق، وبرامج تخفي ما تريد وتضفي على ما تم تصوره لمسة يدوية خاصة، إنها هيمنة الصورة بسبب سلطة الصورة التي ترسّخت بفضل وسائل الاتصال والتواصل الحديثة، هذه الوسائل كرّست ثقافة العين على حساب ثقافة الفكر منذ ظهور التلفزيون، ومع الأنترنت سادت ثقافة الفكر الافتراضي على حساب الواقعي.
قوة النفاذ
أي أن الثقافة حالياً هي امتداد لثقافة الصورة والومض الضوئي، وذلك إلى الحد الذي دفع المفكرين والكتاب أيضاً إلى تسمية عصرنا بعصر الصورة، وتقديم الكتب والأبحاث عن تأثيرها ضمن التقدم التكنولوجي الهائل على الثقافة والسلوك الإنسانيين، ومنهم المفكر العربي المصري مصطفى حجازي الذي عنون كتابه عن تأثير الصورة ب»حصار الثقافة بين القنوات الفضائية والدعوة الأصولية» يقول حجازي في كتابه:» فكم هي رائعة وعظيمة هذه الإمكانيات المعرفية، وكم هو عظيم تأثيرها الذي يفلت جله من التصفية والانتقاد، وبالتالي كم هي كبيرة الأخطار، إذا تحولت المسألة إلى عملية تلاعب وصناعة موافقة، قوة النفاذ التي تدعمها قوة الانتشار والتوصيل والتنويع اللامحدود، مما يبين بصدد أي حالة ثقافية غير مسبوقة سنكون عليه مستقبلا». في إحدى هوامش نفس الكتاب يقول حجازي نقلاً عن مقال في مجلة لوموند ديبلوماتيك الفرنسية عدد 486 أيلول 994:»الديمومة وحس الديمومة الغائبان الأكبران من الوعي الاجتماعي والأفق السياسي، وهو ما يفرض على الشباب الواقع في البطالة أو البحبوحة البحث عن متع اللحظة الراهنة وثقافة اللحظة ونسف التاريخ والهوية لصالح الاستهلاك والإثارة، وهذا يستبدل المواطن بالمستهلك يستحوذ الحاضر حالياً على كل المجال ويحتل محل عمق الديمومة واستمرارية التاريخ وذاكرته في حالة من فرض منطق الربح مكان منطق الجدوى الاجتماعية والانتماء».
الصورة هي الأساس، وليس الواقع
عن علاقة الصورة وتأثيرها وسط اعتماد التكنولوجيا في مختلف مناحي الحياة، يقول أستاذ علم الاجتماع التربوي الدكتور علي وطفة في مقالة له عن مالات الصورة: «أسهمت الصورة في حدوث انتقال جذري في العلاقة التقليدية بين التربية والثقافة والمجتمع، فحلت ثقافة الصورة محل ثقافة الكلمة.. وهناك فرق جوهري بين صور اليوم وصور الماضي؛ ذلك أن صور اليوم تسبق الواقع الذي يفترض أنها تمثله في حين كانت صور الماضي تجيء تالية للواقع ومتوقفة عليه.. وأصبح الواقع صورة شاحبة من الصورة، فالصورة هي الأساس، وليس الواقع».
المسلوبين
إذا كانت الكلمة هي أصل الثقافة والمعرفة والتواصل الإنساني، فهي اليوم تتراجع لصالح الصورة، وإذا كان السلوك اليومي في العمل والحياة الاجتماعية هي تجسيد لثقافتنا، فقد وصلنا إلى حد العبودية إن صح التعبير، فالواقع التكنولوجي الراهن هو واقع استعباد للإنسان لا واقع تحرره، لقد بدأنا نبتعد شيئاً فشيئاً عن أنفسنا، وعن إنسانيتنا، إننا نعيش في عصر يتحدث لغة الصورة، لكن هل هذه الصورة حياة، أم أنها على حساب الحياة، وكأننا مسلوبين، ومحاصرين بقوانين واشتراطات التكنولوجيا، نعاقب على محتوى ولو كان مشاعرنا بالتقييد والحظر والحذف، من المالك الرئيسي لهذه التكنولوجيا وهو الرأسمالية.
التاريخ:الثلاثاء17-5-2022
رقم العدد :1095