الثورة-أديب مخزوم:
استضاف (المنتدى الاجتماعي) في دمشق ـ طلياني، معرضا تشكيليا لثلاث شابات وشاب واحد ، متضمناً مجموعة من اللوحات المنجزة بتقنيات متنوعة وقياسات مختلفة، لكل من (حسب ورود الأسماء في بطاقة الدعوة ) : راما حموي ، وهديل اللبابيدي، وريم دلباني، ونور عرعار، ولقد رافق الافتتاح عزف على الغيتار لحسن عبد الرحيم ، وبذلك حقق الافتتاح مقولة بول كلي: ” من يرسم يجب أن يمتزج بالموسيقا”.
ونأمل أن يستمر ” المنتدى الاجتماعي “في خطوات المساهمة بتحريك النشاط الفني التشكيلي والموسيقي ، لاسيما وأن له مساهمات فعالة في تقديم المحاضرات، على مدى أكثر من ستة عقود، لأهم وأشهر الأسماء في المجالات الفنية والثقافية كافة.
هكذا تأتي خطوة افتتاح المعرض ، كردة فعل عفوية معاكسة للأحداث المأساوية ، لأنها تمنح المشاهد في النهاية حركات لونية للتنفس، والانفلات من الأحاسيس الرمادية والسوداوية، المتواصلة في عمق حياتنا اليومية المعاصرة، وتنمي مشاعرالإحساس بأهمية الحوار الفني والثقافي بين الأجيال ، وتعمل على تطوير التجارب الفردية على الصعيدين التكويني والتلويني.
ولقد تولدت في لوحات المعرض، رؤى واقعية وسوريالية ورمزية وتجريدية. واللوحات التجريدية قدمتها التشكيلية (هديل اللبابيدي) حيث وجدنا لها خمس لوحات بقياسات مختلفة، منجزة بضبابية لونية توحي بالمرجع الواقعي، كأن تكون الانطلاقة من الطبيعة أو من حركة الغيوم، وفي النهاية يغيب المشهد أو الموضوع عن لوحاتها، وتبقى المساحات اللونية الضبابية، الدالة عليه. ولقد وصلت إلى جوهر التعبير عن الأحاسيس الوجدانية ، واتجهت لإضفاء المزيد من الحرية في تجسيد روح الشكل ، وبالتالي إخفاء مظاهره الخارجية والإبقاء على جوهره فقط.
ومن خلال لوحاتها أكدت علاقتها بثقافة فنون العصر، التي جعلتها تشق طريقها نحو ملامح التجريد اللوني الغنائي والشاعري، والذي جاء بشكل عفوي بعد سلسلة تجاربها المتواصلة، التي زادت قناعتها بالبحث عن أسلوب تجريدي عفوي، تتشابك فيه الحركات والمساحات اللونية، التي تبقى منظمة ومنضبطة ومتقاربة في اللوحة الواحدة، وبعيدة عن الصخب والصراخ اللوني . فالتجريد هنا هو إحساس بالقدرة على بناء أجواء اللوحة بطبقات لونية متراكبة (وبدرجات لونية محددة ومتقاربة) ومشحونة بصدق الحالة الداخلية الذاتية، وحين يكون الصدق، يكون التميز في حركة اللون ومدلوله الإيقاعي البصري.
وفي لوحات (راما حموي) المنجزة بقلم الرصاص، تركيز على الموضوعات المعمارية والإنسانية والآلات الموسيقية والزهور، وهي تقدم صياغة واقعية تتحقق فيها بلاغة التعبير بالأسود والأبيض، وفي لوحاتها تستعيد المشاهد القديمة، بكل ما فيها من تفاصيل وعناصر، وتجسد البيوت والإنسان ومشاهد الأشجار والأنهار والقوارب والأزهار ، والمشاهد المستمدة من تأملاتها وتجوالها في الأمكنة الحميمية أو المستعادة من مخزون ذاكرتها البصرية، التي عمقت من هواجس نزعتها المثالية، الأقرب إلى الواقعية القصوى أو المفرطة.
هكذا تفتح مساحاتها التشكيلية على صياغات واقعية، وتمد عناصرها بإضافات فنية قادمة من ثمرة وخلاصة جلدها وصبرها الطويل. وأهم ما في بعض أعمالها أنها تؤرشف أو تؤرخ لتراث معماري في طريقه للانقراض والزوال، ولوحاتها تظهر قدرتها على التحكم بخطوط قلم الرصاص الرفيعة، عبر استعادتها المتواصلة لثنائية الماضي والحاضر.
وتضفي (ريم دلباني) على لوحاتها الثلاث أجواء غرائبية ورمزية، فيها نفحة سوريالية، فهي تجسد في إحداها الوجه والبومة، وما ترمز في تكاوينها من رؤى تشاؤمية، كأنها تعبر عن واقع الحياة اليومية، وما فيها من رؤى سوداوية وتطلعات شاحبة . حتى أنها تعتمد على تدرجات الرمادي في معالجة التفاصيل ، وهذا يجعل لوحاتها تقترب من رمادية ألوان الواقع في عالم اليوم اللاإنساني.
وفي لوحات (نور عرعار) تركيز لإظهار عناصر الدقة في رسم الوجوه، التي تحمل في أحيان كثيرة ملامح عمرية متقدمة، حيث نجد تضاريس وخطوط الوجه وتعابير العيون . وهكذا تتشكل في وجوه لوحاته، هموم لا تحصى وأوجاع لا تنتهي، مستمدة من تاريخ البطولات العربية، ومن ثنايا الأزمنة والعمل والحزن المزمن. كما تتنقل موضوعاته بين اللقطات البائسة للأشخاص، ومشاهد جمالية متنوعة لمواضيع أخرى ، ويبرز الفرح في أحد وجوه لوحاته . ولوحاته متعوب عليها، ومعبرة عن روح انتمائها إلى المدرسة الواقعية، المبنية على قواعد وأسس رصينة، في خطوات الوصول إلى حالات بانورامية منجزة بعقلانية مركزة.