لم يكن سحب وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك لقرار حددت بموجبه تعرفة النقل بين المحافظات، لم يكن دليل عافية، بل ومثير للهواجس بشأن آليات و “تقنية” اتخاذ القرار التنفيذي بشكل عام.
اخترنا قرار “التجارة الداخلية” مثالا، لكنه ليس مقصودا لذاته على كل حال.. ولعله ليس من الصعب على من يجتهد قليلا في البحث أن يجد في معظم الوزارات أمثلة مشابهة، تكشف حجم الفجوة بين غرف دراسة القرار التنفيذي – إن كان ثمة من يدرس- وبين الواقع والشارع، وليس أدل على ذلك من الفرق الكبير لجهة الصوابية والواقعية بين القرارات التنفيذية من جهة، والمراسيم الرئاسية والقوانين الجديدة من جهة ثانية، فالأخيرة دوما تكون أكثر دقة و أكثر رشدا، رغم أن إعدادها يجري في الأروقة التنفيذية، لكنها غالبا تعاد مرارا للتصويب إما من مجلس الشعب إلى مجلس الوزراء، أو إلى مجلس الشعب لاستكمال بعض النقاط وتلافي الملاحظات..
بالأمس جرى الحديث عن “تسعيرة” عن بدلات وأجور المدارس الخاصة عممتها وزارة التربية على مديرياتها في المحافظات، وطلبت التدقيق والتقيد.
والواقع إن تسعيرة التربية – إن كانت صادرة فعلا عن الوزارة وليست مفبركة – كانت غاية في الأهمية لجهة انخفاضها ومحاكاتها لظروف الشريحة الأكبر من أطياف المواطنين في هذه الظروف الصعبة.
لكن السؤال الملح هنا هو: هل ستستطيع وزارة التربية بمديرياتها فرض هذه “التعرفة”؟
سيما وأنها لاتشكل نسبة ٢٥ % من الأسعار التي تقاضتها المدارس الخاصة خلال العام الدراسي الأخير !!
نتساءل بلسان غير المتيقن من خبر سار يتوق لإجابة تناغي طموحه ومطلبه، لكن التحارب السابقة أكدت أن ” تعرفة” وزارة التربية في واد وما تتقاضاه المدارس الخاصة في واد آخر..وللعلم لم تلجأ أي مدرسة خاصة لتقاضي أجرها “من تحت الطاولة” كما يقال.. بل تعلن بشكل واضح وصريح عن أسعارها، وتوافي أولياء الطلاب بفواتير مصدقة بما تقاضته، وهنا عند هذه المفارقة التي تتكرر كل عام تعود التساؤلات ذاتها بشأن الآلية والذهنية التي تحكم عمل الوزارات فيما يخص دورها التنظيمي والإشرافي، وما السبب الذي يقذف بها بعيدا جدا عن الواقع.
المثال الذي اخترناه لاستهلال هذا المقال حول تعرفة نقل الركاب التي أصدرتها وزارة التجارة الداخلية ثم سارعت لإلغائها، مشابه تماما لقرار تعرفة المدارس الخاصة الذي وزعته “التربية” ..مع فارق أنها لم تسحبه ونرجو ألا تسحبه وتتمكن من إلزام المدارس بتطبيقه..
فالوزارة تبدو اليوم على طاولة اختبار أمام تلاميذها ..بعد أن أوشكت على الانتهاء من اختبارهم في شهادتي التعليم الأساسي والثانوي.. ونحن بانتظار أن تنجح الوزارة وتتفوق كما ننتظر نجاح أبنائنا وتفوقهم..
