سجلت وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك أرقاما غير مسبوقة في عدد الضبوط اليومية وكذلك مبالغ الغرامات والمخالفات ، لكن النتيجة على أرض الواقع لم تتغير ، الأسعار بارتفاع مستمر ، مواد مجهولة المصدر ومنتهية الصلاحية ، تدني الجودة والمواصفة .
لا شك أن وزارة التجارة سجلت حضورا جيدا في الأسواق والأرقام، ولكن الأمر لم يغير شيئا في طرفي معادلة التاجر و المستهلك ،فكلما ارتفعت أرقام المخالفات و مبالغها رفع التجار أسعار المنتجات لتعويض ما دفعوه من غرامات ورسوم ، والأمر ليس بأفضل حالا بالنسبة للمواصفة ، فطالما هناك شح مواد فالمواطن مضطر لشراء السلعة دون الوقوف على المواصفة والجودة ولا السعر في أحيان كثيرة لانعدام الخيارات .
إذا المشكلة في ضبط الأسواق مرتبطة بنوع العقوبات وشدتها وفرص الالتفاف عليها و ليس بعددها ومبالغها ، فطالما المواطن سيدفع قيمة المخالفة فلن يهتز للتاجر جفن ولن تنخفض الأسعار .
التاجر لا يمكن معاقبته وفقا للقانون على رفع السعر و إنما يمكن معاقبته فقط لعدم الإعلان عن سعر السلعة ، أما ما يمكن معاقبته عليه فهناك حالات كثيرة لا تُعد ولا تحصى وعناصر الرقابة لديها من المبررات الكثير الكثير و حتى تكون للمخالفات والعقوبات فاعلية يجب أن تكون العقوبة بمصادرة البضاعة وبيعها ، كما يمكن إغلاق المحلات ولفترات طويلة وهكذا ستقع العقوبة على التاجر مباشرة دون أن يكون قادرا على تحصيلها من المستهلك.
مشكلة أسواقنا اليوم معقدة ولا يمكن تحميلها لطرف دون آخر ، المشكلة الأساسية هي نقص البضاعة في الأسواق، وهذا الأمر يجعل حتى أصحاب المحلات التجارية ضحايا مستوردي البضائع ، فالمستورد الذي كان لديه عشرة تجار يشترون بضاعته، أصبح بعد القرارات الجديدة لتمويل إجازات الاستيراد لديه اليوم مئة تاجر وهو يختار من يريد والسعر الذي يريد و بدون فاتورة تحمي تاجر المفرق .
إذا فقدت الأسواق كفايتها من المنتجات فقدت المواصفة والجودة والسعر المنطقي ، وغابت المنافسة بين التجار لتتحول من منافسة على خفض الأسعار وتحسين الخدمة إلى منافسة في الاحتكار والبيع بالسعر الأعلى .
من يملك اليوم إجازة استيراد يستطيع أن يبيع بالسعر الذي يريد ولمن يريد وبدون فواتير تحمي أي حلقة من حلقات البيع ، ومن لا يقبل بالشروط عليه أن يبقى بدون بضاعة ، وإذا اشترى فهو تحت رحمة عناصر الرقابة ، والسوق يعكس اليوم هذه العلاقة بين كافة الأطراف، ولكن المستهلك وحده الذي يدفع دائما.
السابق