من الورق إلى الشاشة.. هل التعليم الإلكتروني خيار أم ضرورة؟

الثورةـ علا محمد :

لم يعد صوت الجرس المدرسي وحده إعلاناً لبداية الحصة، فاليوم يكفي أن تومض الشاشة حتى يبدأ الدرس، صوت المعلمة يأتي هذه المرة من الهاتف، والطلاب يصغون من غرفهم الصغيرة، فيما تراقب الأمهات من طرف الغرفة.

يبدو المشهد جديداً، لكنه سرعان ما أصبح مألوفاً في كثير من البيوت السورية، إذ قالت عائشة الزعبي في حديثها لـ”الثورة”، وهي تتابع ابنها الصغير أثناء حصة عبر منصة تعليمية سورية: “في البداية خفت أن لا يفهم الدروس، لكن التجربة كانت أسهل مما توقعت، لا مواصلات، لا ازدحام، وكل شيء يحدث من المنزل”.

من زاوية أخرى، رأت رهف غرة، أم لطالبين في المرحلة الابتدائية، أن المنصات التعليمية لم تعد ترفاً بل أصبحت ضرورة، خاصة مع ارتفاع أجور المواصلات والدروس الخصوصية، “التعليم الإلكتروني خفّف الأعباء المادية، وضمن استمرار الدروس حتى في الظروف الطارئة أو عند المرض”

دروس تتنفس التفاعل

تحدّث محمود العشي، معلم الرياضيات، بشغف واضح، بعد مسيرة دامت عامين في تقديم الدروس عبر الإنترنت، ومن أمام سبورته الإلكترونية وبرنامج العرض الحديث، وقبل أن يبدأ بشرح المسائل لطلابه المنتشرين في محافظات مختلفة، قال لنا: “أشعر أني أقرب إليهم رغم البعد، أستخدم الرسوم والتطبيقات لتبسيط المسائل، وكنا أحياناً نضحك من خطأ أو تعليق، فتتحول الشاشة إلى صف حقيقي مليء بالحياة”، وفي إحدى المنصات التعليمية السورية، تحدّثت ميساء عبد الله، معلمة لغة عربية، عن تجربتها في جعل التكنولوجيا تضيف روحاً جديدة للحصة، حيث استخدمت الألعاب والرسم والكتابة لتوضيح القواعد، وأوضحت أن الدرس لم يعد جامداً كما في الصف التقليدي، مضيفة أن المنصة نظّمت التواصل بين الطلاب والمعلمين والمشرفين ضمن مجموعات متابعة تشرف على سير العملية التعليمية لحظة بلحظة. وفي السياق ذاته، روت هبة السمان، معلمة رياضيات تعمل عبر منصة كويتية مخصصة للطلاب السوريين، تجربتها مشيرةً إلى أن الإقبال على دروس المعلمين السوريين كبير لما يمتلكونه من خبرة وقرب من طلابهم، لكنها أكدت أن لا مقارنة بين الدرس المباشر والافتراضي، فوجود الطالب أمامها يجعلها تقرأ ملامحه وتعرف إن كان فهم فعلاً، أما الشاشة فلا تخبر بكل شيء.

ما بين حماس المعلمين ورضا الأهل

بدا أن التعليم الإلكتروني شقّ طريقه بثبات، فقد أصبحت الدروس أقرب، والكلفة أقل، والفرص أوسع، لكن التحدي الحقيقي ظلّ في ضمان جودة المحتوى ومهارة المعلم في التواصل والتفاعل.

الإيقاع السريع والتحدّي التربوي

حول ذلك، بينت المدرّسة والباحثة التربوية ندى الحكيم لـ”الثورة” أن المعلم في منطقتنا العربية، وحتى في الغرب، عانى من أعباء اقتصادية ثقيلة فرضتها الأنظمة الليبرالية الحديثة، ما جعله مستهلكاً مرهقاً وأضعف قدرته على فهم ذهنية المتعلم من الجيل Z، الذي تفوق سرعةً وتمكناً من لغة العصر، لكنه افتقر إلى المرونة والصبر والتركيز واللباقة الاجتماعية، وهي أساس التربية الحديثة. وأوضحت أن المؤسسة التربوية في سوريا، كما في كثير من الدول العربية، خطت نحو التعليم الرقمي بتأنٍّ أحياناً وبقبولٍ أحياناً أخرى، وعزت ذلك إلى عوامل اقتصادية وحربية وبنيوية، إضافة إلى العامل المجتمعي النفسي الذي لا يزال يميل إلى التعليم الوجاهي، لاعتقاده أن التعليم والتربية وجهان لعملة واحدة في بناء الإنسان، كما أشارت إلى أن السنوات الأخيرة، ولا سيما بعد جائحة “كوفيد”، شهدت إقبالاً ملحوظاً على المنصات التعليمية السورية، التي منحت المعلمين انتشاراً أوسع ووصولاً أسرع للمتعلمين، رغم أن الأرقام ما زالت تميل لصالح التعليم الوجاهي العام والخاص. ورأت أن التعليم الإلكتروني بدأ يفرض نفسه تدريجياً على فئات من الطلاب الذين لم تسمح لهم ظروفهم الاجتماعية أو الاقتصادية أو العمرية بالالتحاق بالمدارس الحقيقية.

المعلم.. الركيزة الأهم

ولفتت الحكيم إلى أن التعليم الرقمي، رغم حرمانه الطالب من الجانب الحياتي المباشر، ساعد في المقابل الطلاب الخجولين أو المعرضين للتنمر على تجاوز مشكلاتهم، ووفر فرصاً متساوية لجميع المتعلمين، كما أتاح لهم إعادة الاستماع للدروس ورفع مستوى الفهم والتحصيل، خصوصاً لدى من يحتاجون وقتاً أطول للتعلم، وأضافت أن الجمع بين الوجاهي والرقمي ما زال صعباً، لأنه يشتت الطالب ويستهلك جهده على حساب الاجتهاد الذاتي، الذي يُعدّ أساس العملية التعليمية. كما أشارت إلى أن وزارة التربية تمتلك منصة تفاعلية رقمية بمواصفات ممتازة، معبّرة عن أملها بأن تتوسع لتشمل جميع المدن والمجمعات التربوية، مؤكدة في الوقت نفسه ضرورة دعم المعلمين ببرامج تدريبية مستمرة لتطوير مهاراتهم التقنية والتربوية، وأن تسهم الجامعات في تحديث برامج إعداد المعلمين وتوحيد معايير التعليم الرقمي.
وختمت الحكيم حديثها بالتأكيد على أن التعليم الرقمي بات حاجة ملحّة في منطقتنا التي أنهكتها الحروب وأثرت على العملية التعليمية، متسببة بتسرب أعداد كبيرة من الطلاب، لكنها رأت أن الأوان لم يفت بعد لإعادتهم إلى مسار التعلّم من خلال إعداد كوادر شابة مؤهلة وتجهيز المدارس بوسائل تقنية حديثة، وقالت: “إن التعليم الرقمي قد يكون اليوم خياراً من بين الخيارات، لكنه سيغدو غداً ضرورة لا مفرّ منها”.

آخر الأخبار
رئة المواطن تئن .. عوادم السيارات ومخلفات الحرق تغتال الأوكسجين تجييش كبير بعد شجار طلابي.. وجامعة حلب توضح ما جرى النور مكلف والشتاء قادم... فهل تكون الشمس هي الخلاص؟ اللحوم حلم على موائد المواطنين .. سعر جنوني يثقل فاتورة الشراء تحذيرات  من "الجفاف المتضافر"  على الموسم الزراعي مرحلة جديدة.. سوريا والعراق يوقعان على "إطار أمني" استعداداً لمرحلة ما بعد الأسد المخلوع ما الذي يعنيه فتح السفارة السورية في واشنطن؟ سوريا تتحول إلى "ممر اقتصادي".. مشاريع الطاقة والنقل تعيد تعريف دورها الجيواستراتيجي الكتاب الورقي.. عودة الروح إلى الصفحات شركة الصرف الصحّيّ بحمص تطالب بتعديل التشريعات واستبدال آلياتها المتهالكة ترامب طلب تمديد اللقاء مع الشرع في "البيت الأبيض" الوزير الشيباني: بحثنا في واشنطن الملف السوري بجميع جوانبه وإعادة الإعمار ضمن سياق جديد سوريا تدخل "التحالف الدولي" باتفاق سياسي.. كيف سيكون شكل العلاقة؟ نحاسيات سوق مدحت باشا.. تفاصيل صغيرة تخبىء فلسفة الحياة ترامب بعد لقائه الرئيس الشرع: سأبذل كل ما في وسعي لإنجاح سوريا مازوت التدفئة للمدارس الجبلية بطرطوس ينتظر التمويل العمل عبر الإنترنت.. هل بات حلاً بديلاً للهجرة الاقتصادية؟ الرياح.. قوّة الطبيعة لإعادة التوازن لشبكات الكهرباء ترامب يتعهد بدعم القيادة السورية بعد لقائه الرئيس الشرع في "البيت الأبيض" المنشآت السياحية بحلب تنضم لحملة "حلب ست الكل"