الثورة – ترجمة ختام أحمد :
تناقش سوريا والعراق حالياً ضرورة تعزيز التعاون الأمني بينهما بعد سقوط نظام الأسد، في ظل تحديات مشتركة، وعلى رأسها مواجهة تنظيم “داعش”.
ورغم خسائره الإقليمية، لا يزال التنظيم يُشكل تهديداً خطيراً، لا سيما في المناطق الصحراوية الممتدة بين البلدين.
ويدفع هذا التهديد بغداد ودمشق إلى دراسة استراتيجيات أمنية مشتركة، خاصة مع تراجع دور “التحالف الدولي” في العراق، بحسب تقرير صادر عن معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى ونشر يوم الجمعة 7 نوفمبر/تشرين الثاني.
وذكر التقرير أن اللقاءات التي جرت بين البلدين منذ سقوط نظام الأسد تعكس اعترافاً متبادلاً بأن التعاون الأمني ضروري لضمان الاستقرار الداخلي، ويؤكد المسؤولون العراقيون على ضرورة التنسيق المباشر مع دمشق وتكثيف جهود مكافحة الإرهاب لاحتواء التهديد وبناء الثقة بين الجانبين.
المخاوف على كلا الجانبين
وتخشى بغداد من أن يستغل آلاف من مقاتلي التنظيم وعائلاتهم، المقيمين حالياً في مخيم “الهول” (الحسكة، شمال شرقي سوريا)، الفراغ الأمني الذي خلفه سقوط نظام الأسد، بحسب التقرير.
وأضافت أن بغداد حريصة على التعاون في مراقبة المناطق الصحراوية الشاسعة التي أصبحت ممراً رئيساً لتهريب المخدرات والأسلحة بين البلدين.
وتشير التقارير إلى تهريب كميات كبيرة من حبوب “الكبتاغون” والأسلحة الخفيفة بين دير الزور (شرق سوريا) ومحافظة الأنبار العراقية، وفقاً للتقرير.
من جانبها، تتوخى دمشق الحذر، خشية أن يُجدّد أي اتفاق أمني مع بغداد نفوذ “الميليشيات” العراقية داخل سوريا من خلال دعم الجماعات “الشيعية” السورية على طول الساحل.
منذ عام 2013، قاتلت فصائل عراقية، أبرزها كتائب (حزب الله وحركة النجباء)، إلى جانب النظام السوري البائد بذريعة حماية المراقد الدينية، وبالتنسيق مع “فيلق القدس” التابع لـ “الحرس الثوري” الإيراني، ساهمت هذه الفصائل في توسيع النفوذ الإيراني في مناطق مثل: دير الزور (شرق سوريا)، والبوكمال، والقصير (حمص، وسط غرب سوريا بالقرب من الحدود اللبنانية)، كجزء من تأمين “الهلال الشيعي”، وهو ممر بري يمتد من طهران إلى بيروت عبر بغداد ودمشق، بحسب التقرير.
نافذة مفتوحة بانسحاب التحالف
يرى التقرير، أن الانسحاب الوشيك لقوات التحالف الدولي من العراق، بما فيها القوات الأميركية، يُمثل نقطة تحول مهمة. ونتيجةً لذلك، لم يعد التعاون مع دمشق مجرد خيار دبلوماسي أو سياسي، بل ضرورة أمنية لاستباق “الهجمات الإرهابية”.
يُتيح رحيل التحالف للعراق فرصةً لإعادة تقييم تحالفاته الإقليمية.
وفي ظل غياب الوجود الغربي المباشر، قد يُتيح التواصل مع القيادة السورية الجديدة لبغداد مخرجاً من عزلتها الجيوسياسية الحالية، خاصةً إذا نجحت في تحقيق التوازن بين كتل القوى المتنافسة في المنطقة.
ترى بعض الفصائل السياسية العراقية في خروج التحالف فرصةً لإعادة بناء إطار أمني إقليمي بين بغداد ودمشق، متحرراً من الإملاءات الخارجية.
ورغم جاذبية هذه الرؤية، إلا أنها تواجه عقباتٍ كبيرة، أبرزها انعدام الثقة المتجذر بين المؤسسات الأمنية في البلدين، واختلاف الأولويات، وتضارب التحالفات الإقليمية.
شبكة النفوذ الإقليمي: تركيا والخليج وإيران
يُظهر التقرير، أنه لا يمكن قراءة التقارب العراقي السوري بمعزل عن المشهد الإقليمي، وخاصة تركيا ودول الخليج وإيران. تُراقب تركيا أي تنسيق بين بغداد ودمشق بحذر، معتبرةً استئناف العلاقات فرصةً لإيران لاستعادة نفوذها في سوريا.
كما تخشى أنقرة من أن يُهدد إحياء خط أنابيب كركوك-بانياس، خط كركوك-جيهان، وهو ركيزة استراتيجية للعلاقات الاقتصادية بين العراق وتركيا- بانياس (طرطوس، الساحل السوري).
في غضون ذلك، تدخلت دول الخليج، حيث تسعى قطر والسعودية والإمارات إلى دفع سوريا نحو مسار عربي مستقل عن طهران.
طرحت الدوحة مبادرات اقتصادية لتزويد سوريا بالطاقة وتقليل اعتمادها على النفط العراقي، بينما تعمل الرياض وأبو ظبي على إعادة دمج دمشق في المنظومة العربية بشروط تكبح النفوذ الإيراني.
وتنعكس الصراعات الإقليمية بشكل مباشر على المشهد السياسي العراقي، فبينما يدعو بعض السياسيين العراقيين إلى تطبيع العلاقات مع القيادة الجديدة في دمشق بناءً على المصالح الأمنية، يرفض آخرون رفضاً قاطعاً أي تعامل مع “نظام نشأ من أنقاض حليف استراتيجي لإيران”، كما أشار التقرير.
السيناريوهات المحتملة
وبحسب التقرير، هناك عدة سيناريوهات يمكن أن تؤثر في العلاقات العراقية السورية في المستقبل: يعتمد السيناريو الأول على قدرة بغداد على تجاوز الضغوط الإقليمية والانقسامات الداخلية.
في حال نجاحه، قد يُمهد هذا الطريق لتوسيع الشراكة بين بغداد ودمشق، بما في ذلك مراكز تنسيق حدودية مشتركة، وحملات أمنية ضد التنظيم، وإعادة تأهيل خط أنابيب كركوك-بانياس، ومشاريع اقتصادية أخرى.
يتطلب هذا مظلة عراقية قوية ومتماسكة سياسياً قادرة على تحقيق التوازن في العلاقات الدولية.
وفي ضوء التعقيدات الإقليمية، يتمثل السيناريو الثاني، وهو الأكثر احتمالاً على المدى القصير، في استمرار التعاون الأمني المحدود، بما في ذلك تبادل المعلومات الاستخباراتية والعمليات الميدانية السرية التي لا ترقى إلى مستوى الشراكة الرسمية أو التطبيع الكامل.
وفي حال تدهور العلاقات، قد ينزلق الجانبان مجدداً إلى أزمات الحدود التي اتسمت بها فترة ما قبل عام 2014، مع ما يصاحب ذلك من اضطرابات أمنية ومخاطر اقتصادية.
محاذير في العلاقة بين سوريا والعراق
وفي مرحلة ما بعد الأسد المخلوع ، تشكل العلاقات السورية العراقية تداخلاً معقداً بين إرث من المظالم والقلق الأمني من جهة، وفرص التعاون الاقتصادي إلى جانب التحديات الجيوسياسية من جهة أخرى.
وتشعر سوريا، بعد سقوط نظام الأسد المخلوع، بالقلق إزاء العلاقات المتنامية بين العراق وإيران، التي ترى فيها تهديداً لحكمها الجديد.
يتأثر موقف العراق الحذر تجاه سوريا بضغوط جيوسياسية خارجية.
يجب على بغداد موازنة علاقاتها مع إيران، والحفاظ على علاقات إيجابية مع الولايات المتحدة، وتجنب التحول إلى ساحة صراع بالوكالة بين قوى إقليمية مثل إيران والولايات المتحدة وإسرائيل.
وقد دفعت هذه الديناميكية كلتا الجارتين إلى التحرك بحذر في استعادة العلاقات السياسية، والتحرك ببطء نحو تفاهمات أمنية واقتصادية محدودة، وفقاً لدراسة أجراها مركز “حرمون” للدراسات.
المصدر _ enab baladi