ما الذي يعنيه فتح السفارة السورية في واشنطن؟

الثورة – فؤاد الوادي:

أعلنت الولايات المتحدة الأميركية اليوم الثلاثاء، أنها ستسمح لسوريا بإعادة فتح سفارتها في واشنطن، وذلك بالتزامن مع ما قال وزير الخارجية، أسعد الشيباني، من أنه تسلم من نظيره الأميركي، ماركو روبيو، قراراً أميركياً يقضي برفع جميع الإجراءات القانونية المفروضة سابقاً على البعثة السورية وسفارة الجمهورية السورية من قبل الولايات المتحدة الأميركية.

إيذان ببدء صفحة جديدة

من المؤكد أن هذا الخبر ليس مجرد إعلان بـ “فتح سفارة” فقط، بل هو إيذان بفتح صفحة جديدة من العلاقات السورية – الأميركية، بعد طي القديمة، التي كانت متخمة خلال خمسة عقود، بالعدائية المفرطة والمشاريع التي أخذت سوريا بعيداً عن مكانتها ودورها الحضاري والتاريخي، وبعيداً عن مصالح شعبها ومحيطها العربي والدولي، ليجعل منها النظام المخلوع أداة لأطراف خارجية تسللت معه خلف الشعارات الوطنية وبيع الأوهام المعلبة والجاهزة بهدف الاستيلاء على السلطة والحفاظ على الكرسي والمكاسب الشخصية والضيقة التي قتل وعذب وشرد من أجلها ملايين السوريين.

في خلفيات الوصول إلى هذا القرار، يجب أن يبدو لنا سريعاً، الجهود “السورية – الأميركية” الحثيثة خلال الأشهر القليلة الماضية التي أعقبت سقوط النظام المخلوع، والتي أثمرت قرارات تاريخية واستثنائية، وضعت سوريا على الطريق الصحيحة التي تمكنها من السير بخطا ثابتة وسريعة على مسار التعافي والنهوض الاقتصادي.

لذلك فإن هذا الحدث برمزيته ودلالاته وطيفه الواسع سيتجاوز بأثره ونتائجه على الأرض، كل التوقعات، وبتسارع لافت، فاتحاً الأبواب لزخم قادم في التعاون بين دمشق وواشنطن وفي كل المجالات السياسية والاقتصادية، وهو ما عكسه كلام وزير الخارجية أسعد الشيباني، اليوم الثلاثاء، من أن دمشق أصبحت تمارس دورها الدبلوماسي بحرية كاملة في الأراضي الأميركية.

استئناف كامل للعمل الدبلوماسي

في الدلالة السياسية والدبلوماسية، ينظر إلى إعادة افتتاح السفارة السورية في أميركا، وذلك بعد إغلاقها لنحو 13 عاماً (مارس/آذار من العام 2012 )، نتيجة ممارسات وسياسات النظام المخلوع، على أنه استئناف للعلاقات الرسمية الكاملة بين دمشق وواشنطن، وفي هذا دلالة على عودة الثقة والاعتراف المتبادل، ويشمل ذلك إعادة إرسال السفراء والقناصل والموظفين الدبلوماسيين، وتبادل التمثيل، واستئناف العمل الدبلوماسي الكامل لتمثيل مصالح الدولة وحماية مواطنيها.

وهذا بدوره يعني عودة التواصل المباشر بين الدولتين، وهذا يغطي كل جوانب العمل الدبلوماسي، لاسيما بحث مجالات التعاون السياسي والاقتصادي وكذلك العلاقات الثنائية والقضايا التفاوضية والإشكالية، وكل ما يتعلق بأوضاع ومطالب وشكاوى المواطنين السوريين في الولايات المتحدة والعكس صحيح.

ومن المؤكد، أن هذا الإجراء سوف ينعكس إيجاباً على الجالية السورية المقيمة في الولايات المتحدة، لجهة مساعدتها في كل ما يتعلق بالأمور الإجرائية والشكلية التي تحتاجها لتسيير عملها ومصالحها في الولايات المتحدة، وأيضاً أن يفتح الباب واسعاً أمام كل من يرغب من السوريين بالعودة الى الوطن، للإقامة والمشاركة في عملية الدعم والبناء وإعادة الإعمار، لاسيما المستثمرين ورجال الأعمال السوريين المقيمين في الولايات المتحدة الذين يحتاجون إلى سرعة في التنفيذ بما يتعلق بالأمور الإجرائية للسفر إلى بلدهم.

العلاقات خلال 50 عاماً

شهدت العلاقات السورية – الأميركية، تقلبات وتناقضات وشداً وجذباً خلال الـ50 عاماً الماضية، وهذا يعزى إلى التباين الشاسع في سياسات ومواقف البلدين، وتأرجحت العلاقات بينهما بين التعاون المحدود تارة، والتوتر المفتوح والمستعر تارات، بسبب تأثرها بالتحولات والمتغيرات والحروب والصراعات المتلاحقة التي أنتجت تحالفات ومحاور ومشاريع.

ويمكن القول، إن العلاقات بين البلدين مرت بمحطات تاريخية، تميزت بالتعاون تارة وبالصراع أخرى، إذ دعمت الولايات المتحدة السوريين قبيل الاستقلال، وتعاونت مع الدولة الوليدة في الفترة التي تلت استقلالها من الاستعمار الفرنسي والبريطاني، وقد شهدت فترات أخرى تعارضاً وصراعات أدت إلى فرض عقوبات اقتصادية أثرت بشكل واضح في البلاد وعطلت عجلة اقتصادها سنوات.

وتعود جذور العلاقات بين سوريا والولايات المتحدة إلى ما قبل تأسيس الدولة السورية الحديثة، حين أقامت أميركا تمثيلاً دبلوماسيا في مدينة دمشق إبان فترة الدولة العثمانية، ومع نهاية الحرب العالمية الأولى برز الدور الأميركي في مرحلة إعادة تشكيل الخارطة السياسية للمنطقة.

وفي الحرب العالمية الثانية، انحاز العديد من القادة السوريين، ومنهم الرئيس شكري القوتلي، إلى جانب دول الحلفاء، إذ أعلنت سوريا ولبنان عام 1945 الحرب على دول المحور، ما أتاح لهما حضور مؤتمر سان فرانسيسكو والمشاركة في تأسيس منظمة الأمم المتحدة.
دعمت الولايات المتحدة في تلك المرحلة مطالب السوريين بإنهاء الوجود العسكري الفرنسي والبريطاني، ووقف الرئيس الأميركي آنذاك، هاري ترومان، بوضوح ضد المساعي الفرنسية لاستمرار الانتداب على سوريا، ما أسهم في استقلالها الكامل عام 1946، والمضي قدماً في بناء علاقاتها الدولية، بعدما أقامت علاقات دبلوماسية رسمية مع الولايات المتحدة قبل ذلك عبر تعيين أول مفوض سوري في العاصمة واشنطن في 30 يناير/كانون الثاني 1945.

التوترات والانقلابات في ظل الحرب الباردة

بعد نيل سوريا استقلالها، رفض الرئيس شكري القوتلي “اتفاقية التابلاين”، التي كانت تسمح بمرور النفط السعودي عبر الأراضي السورية إلى البحر المتوسط لصالح شركة “أرامكو”، كما رفض تقسيم فلسطين وقرار الهدنة الذي أصدرته الأمم المتحدة بين الدول العربية وإسرائيل، وكانت الولايات المتحدة بقيادة الرئيس ترومان، تعتبر سوريا نقطة رئيسة في استراتيجيتها الإقليمية، إذ اعتبرتها “قلب الشرق الأوسط” لما تتمتع به من أهمية جيوسياسية.

لكن هذه المرحلة شهدت تصاعداً في التوتر بين البلدين، خصوصاً مع تصاعد الحرب الباردة التي امتدت إلى منطقة الشرق الأوسط، حيث تصارع النفوذ بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي، وكانت سوريا مسرحاً لهذا الصراع.

وبين شد وجذب استمرت العلاقات بين البلدين حتى العام حتى يناير/كانون الثاني 1957، حين أعلن الرئيس الأميركي، دوايت أيزنهاور، مشروعاً عسكرياً لمواجهة التوسع السوفييتي في المنطقة، وجاءت استراتيجية واشنطن حيال سوريا في تلك المرحلة بهدف احتواء النفوذ السوفييتي عبر دعم حلفاء إقليميين، خصوصاً مصر، التي تلقت بدورها مساعدات أميركية.

وبعد قيام الوحدة السورية المصرية في فبراير/شباط 1958، قدمت الولايات المتحدة مساعدات إلى سوريا بلغت 20 مليون دولار، إضافة إلى 20 مليون دولار أخرى على شكل مساعدات عسكرية، وعقب سقوط الوحدة، ساد نظام معاد للسياسة الأميركية، ما دفع الولايات المتحدة وإسرائيل للعمل على إسقاطه، كما ظهر في عصيان جاسم علوان في حلب عام 1962، كما لعب عدم رضا واشنطن عن حكم ناظم القدسي دوراً في تمهيد الطريق لانقلاب حزب “البعث” في 8 مارس/آذار 1963.

النظام المخلوع فاقم من التوترات

بعد انقلاب حزب “البعث”، أبرمت سوريا اتفاقيتين مع الشركات الأميركية النفطية، كما اعتبر السفير الأميركي في بيروت آنذاك، أرمان ماير، أن حكومتي سوريا والعراق بقيادة حزب “البعث” تستحقان الدعم الأميركي “لمواجهتهما الشجاعة للشيوعية”.

وبعد حرب 1967، شهدت العلاقات الأميركية السورية فتوراً ملحوظاً، وزادت حدة التوتر وتطورت إلى ما يشبه القطيعة مع انقلاب حافظ الأسد عام 1970، رغم زيارة مفاجئة للرئيس ريتشارد نيكسون ووزير خارجيته هنري كيسنجر إلى دمشق في 15 يونيو/حزيران 1974، في محاولة لإحياء العلاقات بعد قطيعة دامت حوالي 7 سنوات.

تفاقم التوتر

بعد إدراج الولايات المتحدة سوريا في “قائمة الدول الراعية للإرهاب” عام 1979، ما أدى إلى فرض أولى العقوبات الاقتصادية والعسكرية على سوريا، شملت حظر بيع الأسلحة والتقنيات المتقدمة، وقيوداً مالية وتجارية، وحظراً على المساعدات الأميركية.

بعدها شهدت العلاقات في عهد الرئيس الأميركي، بيل كلينتون، أثناء الفترة الممتدة بين 1993 و2001 تطوراً طفيفاً تمثل في تعاون هش، عندما حاول كلينتون دفع عملية السلام بين العرب وإسرائيل عبر اتفاق “أوسلو”، ونجح في إشراك سوريا ولبنان والأردن في المفاوضات، لكنه فشل في التوصل إلى اتفاق سلام بين سوريا وإسرائيل.

في العام 2003، بلغت العلاقات أدنى مستوياتها، على إثر معارضة النظام المخلوع الغزو الأميركي للعراق، ما دفع “الكونغرس” الأميركي إلى إقرار قانون “محاسبة سوريا” عام 200، كما فرضت الولايات المتحدة عقوبات إضافية على سوريا شملت قيوداً مالية وبنكية، قبل أن يصدر بوش الابن في مايو/أيار 2004 الأمر التنفيذي رقم 13338، معلناً حالة الطوارئ الوطنية وبدء برنامج عقوبات شامل على سوريا.

ازدادت حدة التوتر بعد اتهام النظام المخلوع آنذاك، بالضلوع في اغتيال زعيم حزب “تيار المستقبل” اللبناني، رفيق الحريري، في 14 فبراير/شباط 2005، ودعمه لميليشيا “حزب الله” في حرب يوليو/تموز 2006.

ومع وصول باراك أوباما إلى “البيت الأبيض” عام 2009، حاول الانفتاح على سوريا رغم إدراكه عمق التدهور في العلاقات والمخاطر الكبيرة الناجمة عن اتهامات إدارة بوش لنظام الأسد المخلوع برعاية الإرهاب والتدخل في العراق.

اندلاع الثورة محطة فاصلة

وفي العام 2011، شكل اندلاع الثورة السورية في 18 مارس/آذار، نقطة تحول حاسمة في تاريخ سوريا والعلاقات الدولية معها، وأدى القمع الذي مارسه نظام الأسد المخلوع ضد المتظاهرين السلميين إلى استنفار الولايات المتحدة وأوروبا، ودفعهما إلى فرض عقوبات واسعة وخانقة على سوريا، شملت حظر التعامل مع البنك المركزي السوري، وفرض قيود صارمة على صادرات النفط والمنتجات السورية.

علاوة على ذلك، أصدرت الإدارة الأميركية سلسلة من الأوامر التنفيذية التي استهدفت نظام الأسد المخلوع بشكل مباشر.

وفي عام 2020، أقر “الكونغرس” الأميركي قانون “قيصر”، الذي شكل إطاراً لفرض عقوبات على كل من يتعامل مع النظام اقتصادياً أو عسكرياً، إضافة إلى الشركات السورية والدولية التي تدعم الحرب أو تشارك في إعادة إعمار البلاد، مع استهداف موسع لدولتي روسيا وإيران الداعمتين للنظام.

وفي نهاية عام 2022، وقع الرئيس الأميركي السابق، جو بايدن، قانون “الكبتاغون 1″، الذي فرض عقوبات على كيانات وأفراد مرتبطين بنظام الأسد المخلوع بسبب تورطهم في تجارة المخدرات، تلاه في 24 أبريل/نيسان 2024 توقيعه على قانون “الكبتاغون 2″، الذي وسع نطاق العقوبات نفسها في محاولة للحد من التمويل غير المشروع للنظام المخلوع عبر هذه التجارة.

ومع سقوط نظام الأسد، شهدت العلاقات الأميركية السورية تطورات لافتة، إذ وقع الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، في 30 يونيو/حزيران 2025، أمراً تنفيذياً ينهي البرنامج الأميركي للعقوبات على سوريا، تبعه عدة قرارات أميركية برفع وتجميد العقوبات عن سوريا والرئيس الشرع.

حليف جيوسياسي

التقارب السوري الأميركي، وبقدر ما يعلن عودة سوريا إلى العالم، لجهة الدور والتأثير المحوري في قضايا المنطقة والعالم، بقدر ما سوف يشرع الأبواب على انفتاح اقتصادي كبير سوف يلمسه السوريون خلال المرحلة القادمة، ويكفي أن نقتبس جزءاً مما قاله الرئيس أحمد الشرع، خلال مقابلة له مع قناة “فوكس نيوز” الأميركية، لنعرف التداعيات والنتائج الكبيرة لعودة العلاقات السورية الأميركية إلى سياقها الصحيح بعد عقود من القطيعة .

الرئيس الشرع قال لـ”فوكس نيوز”: إن “زيارتي إلى البيت الأبيض ولقائي الرئيس الأميركي دونالد ترامب يمثلان بداية جديدة لعلاقات استراتيجية مع الولايات المتحدة، سوريا لم تعد تشكل تهديداً للولايات المتحدة، بل أصبحت حليفاً جيوسياسياً، الزيارة، بعد عزلةٍ طويلة عاشتها سوريا، تُدخل البلاد مرحلة جديدة من العلاقات الدولية، وقد تفتح نظرة مختلفة بين دمشق وواشنطن”.

واستكمل الرئيس الشرع حديثه: “تحدثنا خلال اللقاء مع ترامب عن الحاضر والمستقبل، وتناولنا فرص الاستثمار المستقبلية في سوريا، حتى لا يُنظر إلينا بعد الآن كتهديد أمني، بل كحليف جيوسياسي، وكمكان تستطيع الولايات المتحدة أن تستثمر فيه بشكل كبير، وخاصة في مجال استخراج الغاز”.

آخر الأخبار
قمع التعديات على خطّ الصرف الصحي في "معربة".. ولا تلوث يهدّد البيئة في ظل التحولات الكبرى.. هل فقدت "قسد" أي خيار إلا التفاوض مع دمشق؟ هاكان فيدان: شاركت في جزء من اجتماع الشرع وترامب وطرحت الرؤية التركية العامة بشأن سوريا رئة المواطن تئن .. عوادم السيارات ومخلفات الحرق تغتال الأوكسجين تجييش كبير بعد شجار طلابي.. وجامعة حلب توضح ما جرى النور مكلف والشتاء قادم... فهل تكون الشمس هي الخلاص؟ اللحوم حلم على موائد المواطنين .. سعر جنوني يثقل فاتورة الشراء تحذيرات  من "الجفاف المتضافر"  على الموسم الزراعي مرحلة جديدة.. سوريا والعراق يوقعان على "إطار أمني" استعداداً لمرحلة ما بعد الأسد المخلوع ما الذي يعنيه فتح السفارة السورية في واشنطن؟ سوريا تتحول إلى "ممر اقتصادي".. مشاريع الطاقة والنقل تعيد تعريف دورها الجيواستراتيجي الكتاب الورقي.. عودة الروح إلى الصفحات شركة الصرف الصحّيّ بحمص تطالب بتعديل التشريعات واستبدال آلياتها المتهالكة ترامب طلب تمديد اللقاء مع الشرع في "البيت الأبيض" الوزير الشيباني: بحثنا في واشنطن الملف السوري بجميع جوانبه وإعادة الإعمار ضمن سياق جديد سوريا تدخل "التحالف الدولي" باتفاق سياسي.. كيف سيكون شكل العلاقة؟ نحاسيات سوق مدحت باشا.. تفاصيل صغيرة تخبىء فلسفة الحياة ترامب بعد لقائه الرئيس الشرع: سأبذل كل ما في وسعي لإنجاح سوريا مازوت التدفئة للمدارس الجبلية بطرطوس ينتظر التمويل العمل عبر الإنترنت.. هل بات حلاً بديلاً للهجرة الاقتصادية؟