اللحوم حلم على موائد المواطنين .. سعر جنوني يثقل فاتورة الشراء

الثورة – جهاد اصطيف :

لم تعد وجبة اللحم الأسبوعية، التي كانت جزءاً من عادات الأسرة الحلبية قبل سنوات، إلا ذكرى بعيدة.

فمع كلّ قفزة جديدة في الأسعار، تزداد الهوة اتساعاً بين دخل المواطن وثمن حاجاته الأساسية، حتى غدت موائد معظم الأسر خالية من اللحوم بنوعيها الحمراء والبيضاء، بينما يكتفي كثيرون بتناول “المرق” أو “النكهة” فقط، بعد أن أصبح الكيلو الواحد منها يعادل أجر أيام عدة.

“الثورة” رصدت خلال جولة ميدانية على عدد من محال بيع اللحوم في أحياء صلاح الدين، الجميلية، والميدان، ارتفاع أسعار اللحوم الحمراء إلى نحو 140 ألف ليرة سورية للكيلوغرام الواحد، بينما تراوح سعر لحم الفروج بين 55 و 65 ألف ليرة.

يعملون بخسارة

ويؤكد أصحاب المحال أن هذه الأسعار تتغير بشكل شبه يومي، تبعاً لتقلبات تكاليف النقل والعلف والوقود، فضلاً عن تراجع المعروض في الأسواق، نتيجة عزوف المربين عن العمل.

يبين “أحمد.ص”، وهو صاحب محل لحوم قديم في حلب منذ أكثر من أربعين عاماً ، أن الزبائن اليوم يشترون بالـ100 غرام أو الـ200 غرام فقط، القليل يشترون بالكيلو، وهذا الوضع صعب على التجار أيضاً ، لأن حركة البيع قليلة، وكثيرون منهم يعملون بخسارة للحفاظ على الزبائن.

وفي جولة داخل حي صلاح الدين الشعبي، تتشابه حكايات الأهالي في مرارتها.

يشير مصطفى درمش، موظف في القطاع العام وأب لخمسة أولاد، إلى أنهم كأسرة كانوا قبل سنوات يشترون لحماً أحمر مرة كلّ أسبوع، أما الآن فيكتفون بشراء القليل منه في المناسبات فقط، فأسعار اللحوم تجاوزت قدرة أي أسرة متوسطة، وراتب الشهر لا يكفي سوى لتأمين الخبز والخضار وبعض الأساسيات.

ويضيف أحمد حمود، وهو عامل مياوم : اللحم صار حلماً، نشتري الفروج إذا تحسنت الأحوال قليلاً، لكن لحم الغنم أو العجل أصبح من الكماليات، كثير من الجيران في الحارة لم يذوقوا اللحم منذ أشهر.

تكاليف الإنتاج تخنقنا..!

ويلفت ماجد محمود، أحد مربي المواشي في الريف الغربي، إلى أن ارتفاع أسعار الأعلاف والمازوت والأدوية البيطرية جعل تربية المواشي عملاً خاسراً، فالعلف ارتفع سعره كثيراً، والنقل يكلف أضعاف ما كان عليه، متسائلاً: كيف نبيع اللحم بسعر منخفض؟ المربي اليوم أمام خيارين، إما الخسارة أو التوقف.
ويؤكد أحمد عبد الغفور مربي دواجن أن المشكلة مشابهة، فالفروج لا يرتفع لأن المربين يريدون ذلك، بل لأن التكلفة تضاعفت، و بين العلف والدواء والنقل، لم يبق هامش ربح تقريباً.

غياب الرقابة

يرى مراقبون أن ضعف الرقابة التموينية وتعدد الحلقات الوسيطة في تسويق اللحوم، أدّيا إلى تضخم الأسعار، في حين لم يواكب الدخل الشهري للموظف السوري هذا الارتفاع، إذ لا يتجاوز متوسط الراتب مليون ليرة سورية، أي ما يعادل ثمن كيلوغرامات قليلة من اللحم فقط.

تقول ازدهار .س إحدى ربات المنازل في حي بني زيد : نخطط للشراء بالغرامات، لم يعد بإمكاننا القدرة على شراء كيلوغرام كامل، نحاول تعويض البروتين بالعدس والبيض إن وجد بأسعار مقبولة.

تداعيات صحية واجتماعية

الابتعاد عن اللحوم ينعكس سلباً على الصحة العامة، ولا سيما عند الأطفال وكبار السن، مع ازدياد حالات فقر الدم وسوء التغذية، بحسب ما يؤكده الأطباء.

كما أن الغلاء أوجد تحولات في نمط الاستهلاك، فبات المواطنون يعتمدون أكثر على المواد النباتية أو المعلبة الأرخص ثمناً، ما يغير طبيعة النظام الغذائي السوري التقليدي الذي كان قائماً على التنوع.

الحل بسياسة متكاملة

يطالب المواطنون بضرورة تفعيل الرقابة التموينية، ووضع سقوف سعرية عادلة للمواد الأساسية، مع دعم المربين بتسهيل توفير الأعلاف والمشتقات النفطية بأسعار مدعومة، لتخفيض كلفة الإنتاج والبيع.
ويؤكد الاقتصادي أمير الحلبي أن الحل لا يكون بالقرارات المؤقتة أو التسعير الإداري فقط، بل عبر سياسة متكاملة تشمل دعم الإنتاج الزراعي والحيواني، وضبط سلاسل التوريد من المزرعة إلى المستهلك، ورفع القوة الشرائية وتحسين الرواتب.

تسيير دوريات

في مقابل ذلك، عقبت مديرية التجارة الداخلية وحماية المستهلك بحلب على لسان مدير الدائرة الإعلامية بلال الأخرس، أن دائرة حماية المستهلك وسلامة الغذاء، تعمل على تسيير دوريات على محال اللحوم الحمراء والبيضاء في الأسواق، للتأكد من سلامة اللحوم المعروضة للبيع ومن مطابقتها للذبح النظامي، والتأكد من وجود خاتم المسلخ الفني على اللحوم الحمراء منعاً للذبح العشوائي وضمان كامل السلامة الغذائية لها.
ونوه بأن الدوريات تراقب كذلك محال اللحوم البيضاء للتأكد من شروط السلامة الغذائية، ومنع أي ظاهرة غش تطول المستهلك، وخاصة فرم اللحوم بشكل مسبق.

كما يتم التدقيق على فواتير البيع والشراء من المذبح للمحال التجارية، حيث تعمل الدوريات على اتخاذ الإجراءات القانونية وتنظيم الضبوط اللازمة بحق أي مخالف، وقد تم تنظيم نحو 450 ضبطاً عدلياً بحق المخالفين خلال الفترة الماضية، تنوعت بين الذبح خارج المسلخ الفني، والجمع بين نوعين من اللحم وحيازة لحوم فاسدة غير صالحة للاستهلاك البشري وفرم لحم بشكل مسبق.
مضيفاً : إن المديرية تعمل باستمرار على مراقبة الأسواق عبر تكثيف الدوريات ولن تتوانى عن تنظيم الضبوط بحق المخالفين وإحالتها إلى الجهات المختصة، واتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة أصولاً بحقهم.

معادلة صعبة

بين أسعار تحلق فوق السحاب، ودخول تلامس الأرض، يعيش الحلبيون اليوم معادلة صعبة، كيف يؤمنون غذاءهم اليومي؟، ففي بلد كان يعرف يوماً بجودة لحومه ومأكولاته، بات اللحم رمزاً للأزمة المعيشية التي طالت الجميع، حتى غدا مجرد حلم يمر في أحاديث الناس لا في صحونهم.

آخر الأخبار
الهلوسة الرقمية.. شبح "الذكاء الاصطناعي الواثق" يهدد موثوقية التعليم تعزيز التعاون السوري الباكستاني في التعليم الطبي والتمريضي 133 إصابة لايشمانيا بدرعا في تسعة أشهر صناعيو الشيخ نجار يطالبون بالتوسع في تركيب كاميرات المراقبة قمع التعديات على خطّ الصرف الصحي في "معربة".. ولا تلوث يهدّد البيئة في ظل التحولات الكبرى.. هل فقدت "قسد" أي خيار إلا التفاوض مع دمشق؟ هاكان فيدان: شاركت في جزء من اجتماع الشرع وترامب وطرحت الرؤية التركية العامة بشأن سوريا رئة المواطن تئن .. عوادم السيارات ومخلفات الحرق تغتال الأوكسجين تجييش كبير بعد شجار طلابي.. وجامعة حلب توضح ما جرى النور مكلف والشتاء قادم... فهل تكون الشمس هي الخلاص؟ اللحوم حلم على موائد المواطنين .. سعر جنوني يثقل فاتورة الشراء تحذيرات  من "الجفاف المتضافر"  على الموسم الزراعي مرحلة جديدة.. سوريا والعراق يوقعان على "إطار أمني" استعداداً لمرحلة ما بعد الأسد المخلوع ما الذي يعنيه فتح السفارة السورية في واشنطن؟ سوريا تتحول إلى "ممر اقتصادي".. مشاريع الطاقة والنقل تعيد تعريف دورها الجيواستراتيجي الكتاب الورقي.. عودة الروح إلى الصفحات شركة الصرف الصحّيّ بحمص تطالب بتعديل التشريعات واستبدال آلياتها المتهالكة ترامب طلب تمديد اللقاء مع الشرع في "البيت الأبيض" الوزير الشيباني: بحثنا في واشنطن الملف السوري بجميع جوانبه وإعادة الإعمار ضمن سياق جديد سوريا تدخل "التحالف الدولي" باتفاق سياسي.. كيف سيكون شكل العلاقة؟